"ليبانون ديبايت" - المُحرّر السياسي

لم تكن اللّفتة التي توجّه بها رئيس اللّقاء الديمقراطيّ النائب وليد جنبلاط إلى قيادة الجيش حول دور رئيس أركانها اللّواء حاتم ملّاك وتالياً الغمز المُتعلّق بتغييبِ دورهِ سِوى إشارة عمّا يكتنز صدر "البيك" ومعه "المير" وسائر الحالة الدرزيّة ممّا يجري على السّاحة اللّبنانيّة. يعتبر الدروزُ أنفسهم أقلّيّة لكنّها وفي ذات الوقت مصدر غِنَى وتنوّع سياسيِّيَن ويُعتَبرون من أهمّ ركائز البلاد.

ثمّة مفارقةٌ أنّه وفي ضوءِ تحالفِ وتعاضدِ القِوى الطائفيّة في لبنان مُؤخّراً، أقلّه لغاياتٍ انتخابيّة، بَقِيَ الدروز يغرّدون خارج السربِ دون أن يصلَ تفاهمِ القياداتِ الأساسيّة لديهم إلى مرحلةِ الائتلافِ والتلاحمِ "السياسيّ - المصلحي".

هناك شعورٌ لدى الدروز بالغُبن في الوظائفِ والتقسيماتِ بالبلد، وهو كلامٌ جاهرَ به مُؤخراً الوزير طلال أرسلان بعد أن باتَ يأخُذ مكاناً واسعاً على طاولةِ نِقاشات الشخصيّات والمؤسسات الدرزيّة، ولا سبيلَ لحلّه إلّا بتكاتُفِ جميع الشخصيّات.

ويبدو للمتابع، أنّ "المير" آخذ بانتهاجِ خِطابٍ وأسلوبٍ مُختَلِفَين عن السابق من الأيّام، وبدأ يرفع صوتاً درزيّاً أكثر من ذي قبل. أرسلان تلقّف إشارة جنبلاط بالدعوة إليه وإلى سائر "الوزراء والنوّاب الدروز" لعقدِ "اجتماعٍ درزيٍّ طارئ" وهو الإعلان الثالث له خلال شهرين. وتقولُ أوساط خلدة إنّ الغاية من وراءِ الدعوةِ هي "بحثُ وضعِ الطائفة في النظامِ اللّبنانيّ بشكلٍ عامّ وليس في السلطة".

وتَعتبرُ الأوساط أنّ التمثيل الدرزيّ داخل النظام اللّبنانيّ القائم على تقاسمِ المصالح بين الطوائف "بات مُهمّشاً وهشّاً وعِرضةً للتعدّيات من هنا وهناك، ومريض ويعاني من عدمِ فعاليّة"! الكلام ذات العيارِ الثقيلِ يقودُ إلى تحليلِ ما آلت إليه هذه الحالة التي يقول مُتابعون للشأنِ الدرزيّ لـ"ليبانون ديبايت"، إنّ المسؤول عنها "التراخي لدى القيادات الدرزيّة التي قَبِلَت من أجل تدبيرِ مصالحها أن تغضّ الطرف عن حقوقها ما عرّضها للاختزال والحقّ فيها الضرر".

أمّا حالة المرض في الوظائف وتعدّي غيرها عليها، يربطها هؤلاء بـ"حصر التمثيل بشخصيّاتٍ مُحدّدة ولصالح شخصيّاتٍ محدّدةٍ دون أن يكون هناك مِعيارٌ واحدٌ للتزكية والتعيين على أساس الكفاءة لا التابعيّة للبيوت"، من هنا كان "لبّ دعوةِ المير طلال" إلى اللّقاء.

وجاء في بيان الوزير أرسلان أنّه "من المُعيب ما يحصل من الاستسلام لواقع مشاركة الدروز في النظام وليس في السلطة كما كان الحال بعد الطائفِ" وشدّد على أنّ "الاستمرار بهذا الواقع يُنذرُ بالخطرِ الحقيقيّ على مستقبلِ مشاركةِ الدروز الفاعلة في النظام في هذا الوطن".

ولفتَ إلى أنّ "الطائفيّة والمذهبيّة تتزايدُ بشكلٍ كبير، والكلّ يعلمُ هذه الحقيقة المُرَّة وللمرّةِ الثالثة أدعو إلى اجتماعٍ طارئ للوزراءِ والنوّاب الدروز للتباحثِ بالوضعِ الدرزيّ في الدولةِ على الأصعدةِ كافّة، فالوضعُ أصبحَ لا يُطاق على الإطلاق".

وقال: "أدعو أخي وليد بك جنبلاط بأخذِ المبادرة بالدعوة لهذا الاجتماع في أسرعِ وقتٍ مُمكنٍ لوضعِ مذكّرةٍ واضحة في هذا الموضوع لتبلّغ إلى جميع المسؤولين في الدولة، ولنتّخذ جميعاً موقفاً حاسماً وصريحاً في هذا الموضوع".

ثمّة أحاديثٌ بدأ يجري تداولها بين شخصيّاتٍ درزيّة فحوها تنشيط محرّكات الإعداد للقاءِ الذي بات ضرورةً بعد إطلاق النداء الثالث المُترافق مع السخطِ الجنبلاطي.

تقولُ مصادرُ متابعة لـ"ليبانون ديبايت" إنّ هناك دفعاً من قِبَلِ الشخصيّات إلى طرحِ مشروعِ إنشاء "ثنائيّةٍ درزيّة" بين جنبلاط وأرسلان وقد تشمل شخصيّات درزيّة سياسيّة أخرى قد تجتمعُ على بركةِ "مصلحة الطائفة".

ويمكن "للثنائيّة" المطروحة في حالِ تحقّقها أن تشبه تلك القائمة بين "أمل وحزب الله" على المستوى الشيعيّ أو بين "التيّار القوّات" في الشقّ المسيحيّ. وما يُعزّز هذه الفكرة وجود تناغمٍ بين الجانبين تجسّد في المرحلة السابقة الطويلة، التي بدأت وتطوّرت بمجرى الزمن بُعَيْدَ أحداث السابع من أيّار 2008 وتقارب المواقف الدرزيّة يومها.

أصحاب الدعوة يأملون خيراً منها ومن إمكانيّة تشكيلِ "ثنائيّة" وفق شكلٍ أو إطارٍ ما، ما يمكن أن يقطرّ استفادةً منه على المستوى الدرزيّ العام ويخلق أرضيّة قوّة تُعزّز من دورِ الدروزِ في بلادِ الأرز.