"ليبانون ديبايت" - المحرِّر السياسي

ماذا ينقص بعلبك - الهرمل؟ ينقصها الكثير! ليس على المستوى الشعبي الذي يذخر بالاندفاع والعنفوان؛ بل على المستوى السياسيّ والإنمائيّ إذ تفتقر المدينة لعدالة التمثيل أو التمثيل المنتج ويكاد يخلو الإنماء من أجندتها.

يرزح البقاعيون أمام حالاتٍ فُرِضَت عليهم نتيجة الواقع الأليم، إذ دفعوا صوب زراعة الممنوعات والاتّجار بها ليس لأنّهم روّاد مخالفات بل لأنّه فُرِض عليهم، وحفنة منهم اختارت سلوك درب الجريمة بأشكالها المتنوعة، وأخرى تقبع تحت وصاية وثائق الاتّصال والبحث والتحرّي والمذكرات الأمنيّة والفرار، ما حول ما يقارب الـ50 ألف مواطن منهم إلى "طافر" أمّا مطلوب أو ملاحق والحبل على الجرار!

يحمّل البقاعيون أسباب من آلت إليه أمورهم إلى ولاة الأمر السياسيّين الذين "باعوا بعلبك المواقف واشتروا منها الدماء" دون أن يعود عليهم ذلك بفائدة حياتيّة، فلا إنماء متوازن أوجد ولا خدمات قدّمت ولا من يحزنون اللهم سِوى شعارات تُرفع على المنابر عند كلّ مطبٍ أو مناسبةٍ أو ذكرى لتشدّ عصب الناس الطيبين ثمّ تستثمر في الزواريب السياسية.

وفي غمرة الانتشاء بحريّة شعب مقاطعة كتالونيا الإسبانيّة في تقرير المصير وعاصفة إعلان "كردستان" دولة مستقلّة، يتسلّل بين جمعٍ من الشباب المتمرّد على واقعه سؤال: "بشو أحسن منّنا هُنّي" بلكنةٍ بقاعيّةٍ فيها الكثير من الاستياء!

ليس تمرّد هؤلاء على أمورٍ سياسيّةٍ أو استراتيجيّة أو دفاعيّة، بل لأمورٍ حياتيّة داخليّة خاصّة حوّلتهم إلى خارجين عن واقعٍ سياسيٍّ ضحّى بهم لأسبابٍ عدّة.

يراجع بعض الحاضرين أسباب "كتالونيا" و "كردستان" في الانفصال! يلحظ الموجودون أنّ الأسباب الاقتصاديّة غائبةٌ تقريباً وجُلّ ما في الأمر أنّهم يريدون التحرّر لتكوين حالةٍ قوميّةٍ خاصّةٍ بهم في البقاع، الأمر معكوس، هنا الحالة مكوّنة لكنّ الأزمة تقع في الشقّ الاقتصاديّ، إذ إنّ بعلبك - الهرمل تختلف عن غيرها من المناطق وتُعدّ أكثرها حِرماناً حتّى إنّ الثنائيّة الشيعيّة في فورةِ تقدّمها واهتمامها في إنماء الجنوب غيّبت البقاع عن الاهتمام الإنمائيّ حتّى بات الخزان منخوراً!

أحاديث الانفصال العفويّة انتقلت إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي حملت في الأيّام الماضية عناوين ودعوات للانفصال وتكوين إقليمٍ خاصّ! مصدر هذه الدعوات نشطاء أرادوا تقديم هذا الكلام على طبقٍ من المزاح الذي فيه غمز ولطش في أكثر من اتّجاه محاولين جذب المتابعين نحو قضيّتهم، ما يمكنهم تحت هذه العناوين الدسمة تمرير رسائل سياسيّة واضحة تتظلّل أسفل دعوات "الانفصال"، وتُورد الأسباب المتعلّقة، بتجاهلِ الدولة وغيابها والإجحاف بحقّ أبناء منطقة غنية بالموارد والناس.

المزاح لم يدم طويلاً، إذ انتقل إلى حالة "وعي جماعي" قطرت ببعدٍ سياسيّ، إذ نادى بعض النشطاء بتطويرِ الفكرة نحو "استفتاء" يستغلّ الانتخابات القادمة ويحوّلها بِقاعيّاً إلى "مشروع استفتاءٍ على مصير ممثّليهم" وليس منطقتهم، إذ إنّ الحشد الحاليّ يتمحور حول تأمين أرضية المحاسبة في الصناديق بعد أن غابت في أمورٍ أخرى.

وهناك أجواء قد تكون قاعدةً مُثلى للمحاسبة، إذ إنّ نسبة الغضب آخذة في النموّ أكثر من ذي قبل في المنطقة، وأحاديث الناس داخل وخارج الصروح التي يشاركون في أنشطتها واضحة، ومنسوب الغضب بات يرتفع أكثر من ذي قبل.

وما يُعزّز من هذهِ الأجواء بروز دور جديد لما يسمى "المطلوبين" بمذكّرات قضائيّة من أبناء البقاع، الذين نفّذوا مُؤخّراً وقفةً احتجاجيّة تطالب بتسوية أوضاعهم خاصّةً وأنّ الغالبيّة الساحقة منهم مطلوبة بمذكّرات إطلاق نار مثلاً.

ويقول متابعون لملفّ البقاع، إنّ الغليان الذي تشهده حالة المطلوبين الذين "لُعب بهم" بعد إيهامهم بـ"عفوٍ" قد يتحوّل إلى انفجارٍ لاحقاً وهذا لن يكون بمصلحة القوى السياسيّة القائمة على حياة العباد في المنطقة، وقد يتحوّل هؤلاء إلى كتلة قد تغيّر في واقع المنطقة في الاستفتاء المعهود!