"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

هلّ ما صرّحَ به رئيسُ وزراءِ حكومةِ لبنان سعد الحريري في إيطاليا يمكن اعتبارهُ أنّه من "عُدّة الشّغل" أم موقفٌ سياسيّ أم أنّه توريطة؟ وهل يمكننا القول إنّ عدم الإضاءةِ على التّصريحِ في وسائل إعلامٍ لبنانيةٍ هدفهُ منعَ الحرج أم إخفاء سبب لأزمةٍ قد تندلعُ بسبب كلمة؟ أم أنّه مصلحةٌ للجميع من الهروبِ في الوقت الراهن من الاشتباكِ والمحافظةِ على الحكومة؟!

لا يمكن تفسيرُ ما قاله الرئيس سعد الحريري لصحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية إلّا أنّه اتّهامٌ يستبق فيه نتائجَ أحكامِ المحكمةِ الدّوليةِ الناظرةِ في المسؤوليّة عن اغتيال الرئيس رفيق الحريري، رغم أنّها واضحةُ المعالمِ ومعروفةُ التّوجهات. الحريري صرّح من روما متّهماً حزب الله، بشكلٍ مبطَّنٍ، باغتيالِ والده، وذلك في معرضِ ردّه على سؤالٍ لصحفيٍّ أجرى معه مقابلةً وسأله "كيف يمكن أن يكون على رأس حكومةٍ فيها حليفٌ لإيران وهو حزب الله الذي يُعتبر أيضاً أحد المسؤولين عن اغتيال والدهِ (رفيق الحريري).

أجابَ الحريري بأنّه "يمكن القيامُ بذلك بطريقةٍ واحدةٍ!" كيف؟؟؟ "بحسبِ نظرته، أنّ "رئيس مجلس الوزراء يفكّر بمصلحةِ لبنان وفي إيجاد الصّيغة المناسبة للتّوافق التي تسمحُ بإدارةِ مُشكلات البلاد"! ليزيد بالقول "إنّ سعد الحريري بن رفيق الحريري يضعُ ثقتَه في القضاء ولديه الثّقة بالمحكمة التي عليها إدانةُ المجرمين" ليتّضح أنّ الحريري أجاب على السؤال بخالصِ الوضوح الذي يظهرُ خلاله الانسجام مع مضمونِ السؤال، إذ إنّ الحريري أجاب مُتلازماً مع السياق نفسه الذي أراده الصحفي - السائل -، دون أن يبالغَ الحريري في عناءِ التّوضيح له بأنّ هذه المسألةُ "يقرّرها القضاء" كعادته!

لكنّ السّبب الذي قدّمه الحريري وبرّر فيه الدخولَ في شراكةٍ مع حزب الله يتعارضُ - أقلّها - مع مواقفهِ الحاليّة التي يتحاشى فيها الغوصَ في التّصريحات الجدليّة، خاصةً وأنّه وحزب الله شركاءٌ في الحكم وهو كان ليقبلَ بقاء حزب الله خارج معادلته!

في خُلاصةِ الجواب: "قرّرنا معاً أن نضعَ خِلافاتنا جانباً، ونعملَ سويّةً على خدمة لبنان"، إذاً الحريري ينظر إلى "جريمةِ قتلِ والده" على أنّه خلافٌ جانبيّ! ولم يكن ليقول ذلك لو أنّه لا يتّهم حزبَ الله في ذلك، متجاوزاً الآراء الأخرى التي تثبت عكسَ تلك الفرضيّة.

وعليه كان تصريحُ الحريري "لزومَ ما لا يلزم" في هذا الوقت، وكان يستطيع الظهور بمظهرٍ أفضل، مُخرجاً نفسه من سيلِ المتناقضات التّي عصفت به خلال فتراتٍ متعدّدة، إذ رفضَ تارةً توجيه اتّهاماتٍ لحزبِ الله، وهادنَ في فتراتٍ وأخرى، ممّا يؤكّد أنّ هذه التّقلّبات كانت دائماً ما تأتي في أجواءٍ سياسيةٍ سانحةٍ تدعمُها أو تأتي من ضمنِ مصلحتها!

"الحريري يعلمُ من قتلَ والدَه" وهو تصريحٌ كان الأميرُ طلال بن عبد العزيز والد الملياردير الوليد بن طلال وشقيق العاهل السعوديّ الحالي الأمير سلمان، قد أطلقه منذ سنواتٍ للإشارةِ إلى الجهة التي قتلت والدهُ وللمفارقة أنّها ليست حزب الله، بالإضافةِ إلى أمورٍ أعلنها ولسنا في واردِ الإضاءةِ عليها حاليّاً منعاً لمزيدٍ من الإحراج للرئيس الحريري.

مشكلةُ سعد الحريري أنّه يقول في لبنان شيئاً وفي الخارج شيئاً آخر، ويراكمُ التّوريطات علينا ثمّ يأتي ويقول إنّه يُخفّف عنها وإنّه ضدّ كذا وكذا، ليتبيّن أنّ كلامه سببٌ في الكذا والكذا!