"ليبانون ديبايت" - نهلا ناصر الدين

لم تهدأ تداعيات حكم الإعدام الصادر بحقِّ حبيب الشرتوني في قضية اغتيال رئيس الجمهوريّة اللبنانية الأسبق بشير الجميّل بعد. فما زلنا من يوم صدور الحكم ننام على فعلٍ من طرف ونستيقظ على ردّ فعلٍ من طرفٍ آخر.

أظهر الحكم وتداعياته على الساحة اللبنانية سواء على مستوى التصاريح، المواقف والتصاريح والمواقف المضادة، أم على مستوى مواقع التواصل الاجتماعيّ هشاشة الوضع اللبنانيّ والانقسام الحادّ بين أفرقاء الوطن الواحد.

فأعادتنا سطور البعض 42 عاماً للوراء، وشعرنا في الـ2017 أنّنا ما زلنا نعيش في نيسان الـ197، وأن البوسطة ما زالت تسير على أحلام شعبٍ، دفع وما زال يدفع غالياً، ثمن إدمانه على سموم الفتنة المُعلّبة، بنكهاتٍ إقليمية ودولية مختلفة. ما زالت تسير... وتحاول جاهدةً بفراملها المستوردة أن تُحطّم مستقبل وطن يحتضر. فشعرنا لوهلةٍ أنّ رائحة الدماء المُشبعة بحقد النفوس ما زالت عابقةً في شوارع بلدٍ كان، وربّما سيبقى، حلبةً لـ"صراع الآخرين".

وكأنّ اللبنانيّين كباراً وصغاراً لم يتعلّموا من الحرب وما فيها من ويلات ومآسٍ، لدرجةٍ كان على متصفّح مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيّام الماضية إن أرادَ الخروج من العالم الافتراضيّ أن يُطهّر قلبه من دَنسِ الحقد، يغسل يداه من الدماء، ويقوم بإعادةِ برمجة عقارب ساعته على التوقيت الحاليّ لواقعٍ ما هو إلّا امتداداً رماديّاً لحوادث سوداء، صارت في الماضي.

فلم يستحِ المتناحرون حول الحكم من نبش أحقاد الماضي، وحمل قمصان الموتى والسير بها في الشوارع الافتراضيّة، لم يخجلوا من دماء أكثر من 150 ألف شخص، و 40 ألف مُهجّر و17 ألف مفقود.

علماً أنّ القانون يُجرِّم التحريض المذهبيّ وبث النعرات الطائفيّة، يؤكد المحامي علي محبوبة لـ"ليبانون ديبايت" على أن المادة 317 من قانون العقوبات تقول أن: "كل عمل وكل كتابة وكل خطاب يُقصد منها أو ينتج عنها إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة يعاقب عليه بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من 100 ألف ليرة إلى 800 ألف ليرة".

وكذلك بالمنع من ممارسة الحقوق المذكورة في الفقرتين الثانية والرابعة من المادة 65، وهي:
- الحق في تولي الوظائف والخدمات العامة.
- الحق في تولي الوظائف والخدمات في إدارة شؤون الطائفة المدنية أو إدارة النقابة التي ينتمي إليها.
- الحق في أن يكون ناخبا او مُنتخبا في جميع مجالس الدولة.
- الحق في أن يكون ناخبا او مُنتخبا في جميع منظمات الطوائف والنقابات.
- الحق في حمل أوسمة لبنانية أو أجنبية.


حتى على أرض الواقع كادت المعركة أن تبدأ، ورأينا مفاعيلها في حرق الأعلام المتبادل بين القوّات اللبنانيّة والحزب السوريّ القوميّ الاجتماعي.

وعَلِم "ليبانون ديبايت" أنّ اتّصالاتٍ كثيرةٍ متكرّرة حصلت في مناطق مختلفة من لبنان لتهدئة النفوس، حتّى إنّ أحد الأجهزة الأمنية اشتغل جديّاً في المرحلة الماضية على ضبط مظاهر الاحتفالات أو الاستنكار بـ"المونة" عبر الفعاليات الحزبيّة والأهليّة في كلّ منطقة حسّاسة، لسحب فَتيل الفتنة وأيّ شرارة لها أن تُشعل هشيم الوضع اللبناني.

وهي الاستراتيجيّة نفسها (وأد الفتنة) التي اتّبعها رئيس حزب القوّات اللبنانية سمير جعجع عندما علٌّق مهمّات رئيس جهاز التنشئة السياسيّة في القوّات المحامي شربل عيد، إلى حين تشكيل لجنةٍ حزبيّةٍ خاصّةٍ للنظر فيما كتبه عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ بحقّ نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، على خلفيّة الحكم الصادر بحقّ الشرتوني.

إذاً، اليوم وبعد 42 عام، نقف على أطلال متاريسَ "شرقية" و"غربية". أمّا وطن الأرز، فنراه مصلوباً على خطِّ النار، ولن تكون له قيامة إلّا إذا استطاع أن يخلِقَ جيلاً سياسيّاً جديداً، بعيداً عن أيادٍ تلطّخت بدماء الشعب اللبنانيّ وتاجرت بأرواحه. وإلى ذلك الوقت، تتشظّى الأحلام على فوهّة البندقية، يوماً بعد يوم، بفعل الانقسامات السياسيّة والمذهبيّة التي تُشيرُ إلى إمكانيّة إعادة التجربة المشؤومة، متى توفّرت النية الخارجية لذلك، لا سيّما وأن زعماء هذه التجربة ما زالوا في مراكز القرار.