"ليبانون ديبايت" ــ فيفيان الخولي

لا يمكن الدخول اليوم في مرحلة "البحث عن الحلّ" طالما أنّ الأجواء لا تزال ضبابيّة، وسط صمت وتلبُّك لبناني سياسي رسمي، على الرغم من أنّ البلد "ماشي". عاد الصخب إلى الشارع، عمليّاً، ليس لأنّ "شيئاً لم يكن"، بل هي الدورة الحياتيّة والاقتصادية، أضف إلى أنّ لبنان اعتاد الصفعات الأمنية والسياسية والاجتماعية، وعند كلّ استحقاق تجده يقف مجدداً، يقف متكئاً، أو رغماً عنه، أو بقدرة إلهيّة، لا يهم، لكن من المُؤكّد أنّه بمساعدة جندي مجهول، قد يكون هذا الجندي "التخدير اللبناني العام"، ولا يمنع أن تكون هويته عربية أو إقليميّة، لكن من المحتّم ليست سياسية لبنانية.

وعلى الرغم من أنّ رئيس الحكومة سعد الحريري يحاول، منذ يومين، التغريد أو نشر فيديو (من دون صوت) أثناء لقائه الملك السعودي، مطمئناً الساخرين والمؤيّدين الذين يحاولونَ الوصول بشتّى الطرق إلى حقيقة ما جرى، لكن كلّ ذلك لا ينفع، خصوصاً على صعيد الرئاستين الجمهوريّة والنيابيّة.

فنشر صورة من هنا، أو كتابة تعليق من هناك، لا يدفعان إلى تشكيل حكومة جديدة، ولا يبرزان رؤية واضحة ليُبنَى على الشيء مُقتضاه، وهو ما تأكّد من خلال تريُّث رئيس الجمهورية ميشال عون في اتخاذ أيّة خطوات سياسيّة في هذا الشأن، أو حتّى الخروج ببيانٍ واضح المعالم، ما يعني أنَّ القلق على مصير الحريري قائم، على اعتبار أنّ القضية تخطّت الاستقالة، وأصبح الأمرُ مرهوناً بعودته أو بتصريح مباشر منه، أو حتّى اتصال.

الاستقالة ليست لعضوٍ في "لجنة البناية"، هي إزالةُ حجر أساس في التركيبة السياسيّة، وبطريقة اجتمعت حولها سلسلة أحداث سعودية، في وقت دقيق للبنان، إذ تُرسم فيه الخريطة الشرق أوسطيّة بقيادة أميركيّة ــ سعوديّة وتوافق روسي، ولا يمكن تحييد هذا البلد عمّا يجري من هذه الاتّفاقات. فهو في قلب هذه الاستراتيجية الجديدة، وإنْ لم يضع هو نفسه بها، فطبيعة تبعيته للأدوات الخارجيّة تفرض عليه ذلك، أضف إلى الجغرافية، ورغبة المملكة بنقل المعركة مع إيران إلى "رياض الصلح".

فلا تشكيل حكومة يلوح في الأُفق، إنْ كان من خلال التوافق عليها، أو حتّى "دستوريّاً"، إذ لا يمكن تأليفها في حين ما تزال الاستقالة شفهيّة، وهو ما يؤكده الخبير القانوني والدستوري أنطوان سعد، مُشيراً إلى أنّه "أدبيّاً، يجب الاطمئنان إلى حال رئيس الحكومة قبل الانتقال إلى الخطوات المُستقبليّة"، متسائلاً عن سبب مخاطبته اللبنانيين عبر تغريدةٍ وصورة، أضف إلى أسلوب مغادرته البلاد، إذ إنّه بحكم موقعه يجب على الأقل التحدّث إلى أحد نوابه، "فما قام به الحريري لم يحدث في تاريخ لبنان".

إذاً، لا تزال التساؤلات سيّد الموقف فيما الخطوات العمليّة بعيدة التحقيق، إذ وفقاً، للخبير ذاته، "بعدما يتأكّد الرئيس من وضع رئيس الحكومة سياسياً وقانونياً، أي هل أقدم على هذه الخطوة مُكرهاً؟ وفي هذا الوضع، لا يجب على الرئيس إعلان قبولها، أمّا إذا فعلاً استقال الحريري للغايات التي تحدث عنها، فعلى الرئيس أنْ يدعو إلى استشارات نيابيّة، وفقاً للأصول الدستوريّة".

وأكّد سعد أنَّ لبنان يعيش حالاً من Schizophrenia (انفصام الشخصية)، تمنعه من اتّخاذ قرارات سياسية عمليّة لما بعد الاستقالة، فإذا قام رئيس البرلمان نبيه بري مثلاً بمبادرةٍ تتضمّن التعايش مع فكرة المقاومة، في حين يذهب الرئيس إلى السعوديّة ليسمع من هناك شنّ الحملات على المملكة، فالوضع سيبقى كما هو عليه، فضلاً عن إقحام لبنان نفسه بالقوّة في الصِّراع القائم بين الدول المجاورة. ويرى أنّه لا وجود لرؤية واضحة على جميع الأصعدة إلّا حين تتّضح حالة الحريري، مشيراً إلى أنَّ الوضع يتّجه نحو مزيدٍ من التأزم، والتي بدأت اقتصاديّاً، أضف إلى الخلافات السياسية المستمرة حول القضايا السيادية، التي تشير إلى أنَّ لا استقرار في لبنان من كلّ الجهات.