"ليبانون ديبايت" - نهلا ناصر الدين

لم يستفق لبنان الذي اعتاد الصدمات السياسيّة من صدمة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري من الحكومة اللبنانية بعد، فالاستقالة التي جاءت مفاجئةً بالشكل والمضمون والزمان والمكان شكّلت صدمةً للرأيين الرسميّ والعام. وما زالت الضبابية تلفُّ المشهد الحكوميّ حتّى بعد تغريداتٍ وصورٍ مشكوكٍ بأمرها، لم تسمن ولم تغنِ عن قلقٍ مبرّرٍ في ظلِّ مؤشراتٍ غير واضحةٍ عن عودةٍ قريبةٍ إلى ربوع الوطن.

ينتظر رئيس الجمهورية ميشال عون عودة الحريري أو أقلّها، أن يودعه الأخير كتاباً خطياً رسمياً بالاستقالة، إن لم يتمكن من الحضور شخصياً لدواعي تمنعه من ذلك، ليبني على الشيء مقتضاه، ويعتبر الحكومة بحكم تصريف الأعمال. وعملاً بالمادة 53 من الدستور، عندما يودع رئيس الحكومة استقالته جانب رئيس الجمهورية، يجب على رئيس الجمهورية الدّعوة إلى استشاراتٍ نيابيّةٍ إلزاميةٍ، ما يعيد إطلاق عجلة الحياة السياسيّة في لبنان من جديد ويخرجها من عنق زجاجة التجميد المفاجئ الذي لا يبدو أن لنهايته مدىً منظوراً حتى الساعة.

يؤكد رئيس مؤسسة "Justicia" المحامي الدكتور بول مرقص على أنّه لا يمكن لرئيس الجمهورية أن يبني على استقالةٍ غير موجودةٍ بين يديه، وليس بوسعه أن يدعو إلى استشاراتٍ نيابيّةٍ طالما أنَّ الاستقالة لم تتقدم خطيّاً ووفقاً للأصول.

وعن السيناريوهات الدستورية المحتملة لتخطّي التجميد الذي تقصّدته السعودية، عبر إجبار الحريري على إعلان استقالته من الرياض، لاختلاق أزمةٍ سياسيّةٍ على الصعيد اللبناني، وحصر الوضع السياسيّ اللبنانيّ بين فكّي التجميد والتعليق، يلفت مرقص إلى أنّنا أمام خيارين لإقالة الحكومة.

فـ"حسب المادة 69 من الدستور، والتي تنصُّ على حالات استقالة الحكومة، تُعتبر الحكومة مستقيلةً في البندين (ج – و) إذا فقدت أكثر من ثلث أعضائها المُحدَّد في مرسوم تشكيلها، أو نزع الثّقة عنها من قبل المجلس النيابي".

ولا صلاحيات لرئيس الجمهورية هنا، إذ تعود الصلاحيات في الأولى للوزراء أنفسهم وفي الثانية تكون إما بمبادرةٍ من المجلس النيابي أو هي الحكومة تطرح الثّقة بنفسها.

أمّا سياسيّاً، فهل هذه الخيارات واردةٌ أم مستبعدةٌ، لا سيّما أن "فتلةً" صغيرةً على تطلعات الكتل النيابية، تُرينا أنَّ الأمر غير مُستبعدٍ، فتيار المستقبل يريد لحكومة التطّبيع مع سوريا أن تسقط، وكذلك الكتائب والقوات اللبنانية، أمَّا حزب الله الذي كان المستفيد الأول سياسياً من هذه الحكومة فبدا موقفه على لسان أمينه العام وكأنَّ فيه مسايرةً للحكومة وبالتأكيد حركة أمل ليست ببعيدةٍ عن أجواء شقيقها في الطائفة (حزب الله) مع ضبابيةٍ تلفُّ مواقف كتلة التقدميّ الاشتراكيّ. أمّا التّيار الوطنيّ الحرّ فلا بدّ أنه من أكثر الكتل حرصاً على إعادة إنعاش الحياة السياسيّة، حرصاً على العهد الجديد. وإذا نظرنا إلى عدد الوزراء في الحكومة نرى أن استقالة 10 وزراء تكفي لإقالة الحكومة رسمياً، وهو العدد غير المستبعد تأمينه في حال المسير بهذا الاتجاه.

ولا يستبعد الصحافي والمحلّل السياسيّ حسن حمادة إقالة الحكومة بإحدى الطريقتين، فـ"بعد استقالة الحريري وبعد كل ما يحصل خلال الثلاثة أيام الماضية من غرائب وعجائب، لا يمكن استبعاد أيّ احتمالٍ، فكلُّ التكهنات جائزٌ حصولها، والحقيقية الوحيدة والثابت الوحيد أنَّ الحريري أُجبر على الاستقالة ووُضع أمام الأمر الواقع، في استقالةٍ شكّلت بشكلها الأخير انتهاكاً لكرامة وسيادة لبنان لم يحصل من قبل".

ويرى حمادة أنّ المشكلة الأساسية تكمن في أزمة النظام اللبناني، الذي يُفترض من الآن وصاعداً ألّا يجيز لمن لديه رؤوس أموالٍ واستثماراتٍ في الخارج أن يتسلّم السلطات التقريرية في الدولة اللبنانيّة، وأن يمنع من يمتلك جنسيةً غير لبنانيةٍ أن يستلم السلطة التقريريّة نظراً لازدواجية الولاء المتوقعة نتيجة ازدواجية الانتماء.

إذاً، وحده التّرقب الحذر سيكون سيد الموقف في الأيام المقبلة، عينٌ متجهةٌ إلى الرياض تنتظر عودةً أو إطلالةً تقطع الشّك باليقين، وعينٌ أخرى على حياةٍ سياسيةٍ شُلّت بعد سنةٍ فقط من انطلاقها. فهل سيعمد الوزراء إلى الاستقالة أم أن "نبيهُ" عين التينة سيأخذ على عاتقه إطلاق رصاصة الرحمة على حكومةٍ أُقيل رئيسها قبل أن تكمل عامها الأول.