"ليبانون ديبايت" ــ فيفيان الخولي

بعد انزلاق لبنان نحو أزمة سياسيّة، لم يعد بالإمكان القول إن الإدارة الأميركية لا تعبئ لما يجري في هذا البلد الصغير. فما قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليس كما هو اليوم. الوضع اختلف تماماً. فبعد عام على تسلمه الإدارة يريد رجل الأعمال تذكير أسلافه والعالم أنّ شعارات "المحافظة على الاستقرار في الشرق الأوسط" و"مكافحة الإرهاب"، في ظلّ التلطي خلف المعضلة من دون مواجهتها لم يجد نفعاً. ترامب أعلن حربه على إيران التي يعتبرها المنبع الأساسي للإرهاب، منذ حملته الانتخابية، لكن لم يؤخذ كلامه على محمل الجد، باعتبار أنها تبقى شعارات انتخابية إلى حين الوصول إلى البيت الأبيض، فتوضع في الأدراج.

في العراق، تمّ دمج "الحشد الشعبي" المدعوم إيرانياً، بوزارة الدفاع العراقية، لإنهاء الحالة المليشياوية، ومن تبقى على الأرض، اليوم، لا يفوق عددهم مئات الآلاف بعدما كانوا ينضوون تحت 58 فصيلاً، وعددهم فاق المليونين. أضف إلى السيطرة الأميركية على المعابر الحدودية، التي من شأنها إغلاق المنافذ التجارية على طهران، فضلاً عن منع إرسال مليشياتها إلى سوريا عبر حدود البلدين.

في سوريا، سعت واشنطن إلى اقناع الرياض ببقاء رئيس النظام السوري، في المرحلة الانتقالية، وهو ما بدا واضحاً في تغيير المواقف السعودية على لسان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، أخيراً. في هذه الحالة، يقتضي التوافق الأميركي الروسي تسليم الملف السوري لموسكو مقابل تحجيم نفوذ إيران.

أما في لبنان، بدأت الحملة بفرض العقوبات الأميركية على حزب الله، وإدراجه كمنظمة إجرامية إرهابية، فضلاً عن ملاحقة قادته، وصولاً إلى التحركات السعودية عبر تعطيل البلد سياسياً، من خلال استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، ومحاصرة البلد اقتصادياً ومالياً، من دون استبعاد أية حرب بين حزب الله وإسرائيل في الجنوب اللبناني، أو فتنة داخلية.

في هذا السياق، يرى العميد المتقاعد، الخبير الاستراتيجي نزار عبد القادر أن هناك اتفاقاً بين الإدارة والكونغرس الأميركيين للحدّ من النفوذ الإيراني في المنطقة، ومعاقبة الجماعات الإرهابية التي تستخدمها إيران لزرع حالة من عدم الاستقرار والهيمنة على المنطقة، وأبرزهما الحرس الثوري الإيراني وحزب الله. ويبدو أن واشنطن لم تعد تفرق بينهما كتنظيمين مختلفين، وتعتبر أن لهما الهدف ذاته ويتّبعان الاستراتيجية ذاتها لزعزعة الاستقرار، وهو ما التقى معه التوصيف السعودي بعد قصف المطار في الرياض، أخيراً.

ويلفت الخبير الاستراتيجي إلى أن وضع لبنان لا يُحسد عليه، خصوصاً إذا ما نفذت الولايات المتحدة تهديداتها تجاه حزب الله، للحد من قدرته. في حين أن الدول الخليجية التي اتخذت من استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري عذراً لبدء حملتها ضد الحزب، تعمل على مجموعة من العقوبات وهي تصعيدية، وفقاً لتصريحات وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان. وشملت منع رعاياها من دخول الأراضي اللبنانية، وهي بداية لمقاطعة لبنان سياحياً، تليها خطوات اقتصادية.

ويؤكد أن الاستراتيجية السعودية تلتقي مع تلك الأميركية الجديدة ضد حزب الله، بل وتسير بشكل متوازن مع استراتيجية ترامب، ويبلورها الكونغرس بمجموعات قوانين لتجفيف مصادر تمويل حزب الله. ويلفت عبدالقادر إلى الإهمال الإقليمي تجاه الوضع اللبناني، خصوصاً خلال الوصاية السورية، واحتكار الدور الأمني، وما لم يتنبه له مَن كان قبل ترامب أنه في حال خرجت سوريا من لبنان، ستملأ إيران هذا الفراغ عبر حزب الله.

ويوضح أن "التحركات الإقليمية في الشرق الأوسط لا تزال في نهاية المرحلة الأولى من الحرب على الإرهاب التي أعلنها الأميركيون عبر تشكيل التحالف الدولي. واليوم ما يحدث في العراق وسوريا، نهاية مرحلة، ولا يمكن الحديث عما تروج له روسيا من حل سياسي في سوريا. هناك تنظيمات أشد من أمثال داعش، بل وتتدعي أن لها دوراً اقليمياً يمتد إلى كل المجتمعات، وكل ذلك يجب معالجته تحت شعار القضاء على الإرهاب".

ويشير العميد ذاته إلى أن الولايات المتحدة وروسيا يدركان ان هذا الدور الإيراني منذ نشوء الثورة الإسلامية عام 1979 يقوم بدور مخرّب ويرعى المليشيات، مؤكداً ألا جدول زمني لحلّ هذه المعضلة، ولافتاً إلى أنه يجب على رئيس الجمهورية، في هذه المرحلة، مصارحة حزب الله الذي يرتبط معه بتفاهم استراتيجي، للعمل على هدنة طويلة، على الأقل سنتين، يخفف من خلالها الحزب منسوب تحركاته العسكرية، لتحييد لبنان، ولو مرحلياً، عن صراعات المنطقة.