"ليبانون ديبايت" ــ نهلا ناصر الدين

على إيقاع استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري لا تزال تنضبط الأحداث اللبنانية، السياسية منها والأمنية. لكن في تطوّر لافت أقدم شبان على حرق صورة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان التي غزت شمال لبنان وشكلت حافزا لاستثارة البعض. وعلى الفور طلب وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق من محافظ الشمال رمزي نهرا، العمل على إزالة كل الصور في طرابلس والشمال، وطلب من القوى الأمنية ملاحقة الفاعلين وتسليمهم إلى القضاء لإجراء اللازم.

من جهة ثانية، اشتعلت فتنة افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي عكست هشاشة الوضع والانقسام العمودي الذي يعيشه اللبنانيون بين موال ومعارض لسياسة المملكة الأخيرة وتطوراتها بما فيها إرغام الحريري على الاستقالة.

ولم توفر هذه الحرب الافتراضية وزراءَ وسياسيين، فسجلت أحداث الساعات الـ48 الأخيرة تناحرا عالي النبرة بين وزير العدل السابق أشرف ريفي والمشنوق على خلفية طلب المشنوق إزالة الصور من طرابلس، الأمر الذي لم يرق لريفي الذي يشجع على المجاهرة بمغازلة السعودية حتى في هذه الظروف الحساسة. أضف إلى تظاهرات مناهضة لحزب الله ومؤيدة للسعودية التي لا يبدو أنها تراعي الظروف الحرجة التي يمرّ بها لبنان على إثر استقالة الحريري الملتبسة.

فهل يمكن اعتبار كل ما سبق مؤشراتٍ لخلق بيئة مناسبة لفتنة داخلية أطلت برأسها يوم الأول من أمس في طرابلس؟

يستبعد وزير الداخلية والبلديات السابق مروان شربل أن تشكل هذه الأحداث مؤشراتٍ لفتنة داخلية، وهي "لا تتجاوز كونها مزايدات بضغوط داخلية وخارجية من جهات مختلفة لإثارة بعض ردود الفعل العابرة والمحدودة".

ويجزم شربل في حديثٍ لـ"ليبانون ديبايت" أنه للمرة الأولى منذ الاستقلال نرى تضامناً إسلامياً مسيحياً سنياً شيعياً ودرزياً حول شخصية لبنانية هي رئيس الحكومة سعد الحريري، ما شكل علامة فارقة في تاريخ لبنان.

ويرى بموقف المشنوق الأخير (القاضي بإزالة الصور غير المرخصة من طرابلس) معالجة جيدة لوأد أي نزاع داخلي، توخياً لأي ردود فعل مضادة، فـ"لا بد أن الدولة والمؤسسات المعنية ستتعامل مع هذه الأفعال بحكمة مماثلة لحكمة رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري وكل الشخصيات السياسية، التي تصرفت بوعي وحكمة وتريث مع استقالة الحريري، وامتصت بالتالي النقمة وامتصت الفتنة التي كانت تُحاك للبنان".

وعن التظاهرات التي يشهدها الشارع اللبناني من وقت لآخر، لم يرَ فيها شربل أي تحدٍ أو استفزاز للشارع المضاد، وشبّه الوضع بـ"دملة لا ضير من إفرازاتها من وقت لآخر، ولكن كان التخوف الكبير من تظاهرات سنية يليها أخرى شيعية مضادة". وهي التهدئة "التي قامت دار الإفتاء بدور هام فيها، إذ فتحت بابها لكل اللبنانيين من كل الطوائف واستمعت لهم، يضاف لذلك المبادر الأول إلى التهدئة بعد خضة استقالة الحريري، وهو رئيس الجمهورية".

ولكن هل هناك تخوف من أن يستغلّ طابور خامس الأوضاع ويقرر اللعب في المحظور؟ يستبعد شربل أي نوع من اللعب على الأحداث الحاصلة من قبل الفلسطينيين، وهو ما تم التأكيد عليه في اللقاء الذي جمع مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم والرئيس الفلسطيني محمود عباس في العاصمة الأردنية، عمّان، قبل أيام. أما السوريون "فليس ببالهم هذا النوع من الأعمال، فهم مشغولون بتدبّر أمورهم وحماية أنفسهم وأطفالهم من برد الشتاء".

إذاً، لا خوف من فتنة داخلية يتراقص عرّابوها على إيقاع تخبط الأحداث السياسية في لبنان، ولكن يبقى السؤال ماذا لو طالت غيبة الحريري وطال معها الوضع السياسي المتأزم؟