"ليبانون ديبايت" - نهلا ناصر الدين

فعلها رئيس الحكومة سعد الحريري، وعاد لقلب الموازين السياسية متراجعاً عن استقالته من القصر الجمهوري اللبناني وعبر شاشات محلية، وذلك بعد 18 يوماً فقط من إعلانها من الرياض عبر إحدى القنوات السعودية. وانهالت من بعد "التريُّث" المواقف المرحبة بهذا القرار، والأخرى المناهضة له.

ولم يُسمع حتى كتابة هذه السطور أي موقف من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، فلا زال الأخير الذي أكثر من تغريدات الاشتياق والانتظار على مواقع التواصل الاجتماعي خلال غيبة الحريري الأخيرة، صائماً عن الكلام، وهو الذي كان قد هلل لأسباب الاستقالة لا الاستقالة عينها، طوال الفترة الماضية.

فكيف تقرأ القوات اللبنانية قرار التريث عن تقديم الاستقالة، ما هي برأيها الخطوات الأسلم لتمرير الأزمة السياسية الراهنة وإعادة إحياء التسوية الرئاسية، وكيف تبدو العلاقة بينها وبين تيار المستقبل بعدما حاولت بعض وسائل الإعلام الاصطياد في المياه التي عكرت التيارات الإقليمية صفوها بين الطرفين؟

للإجابة عن هذه التساؤلات، واستنباط مواقف القوات من قرار الحريري الأخير، يجري لـ"ليبانون ديبايت" حديث مع مسؤول جهاز الإعلام والتواصل في "القوات اللبنانية" الصحافي شارل جبور، الذي يؤكد على أن "التريث يدخل في السياق الطبيعي والحتمي لمناقشة الأسباب التي دفعت الرئيس الحريري للاستقالة. وبالتالي، الأساس اليوم هو في مقاربة هذه الأسباب، سواء من موقع الرئيس المكلف أو الرئيس المتريّث، بالنسبة لنا الأمر نفسه، فالأهم التركيز على المضمون وهذا ما رددناه منذ اللحظة الأولى لاستقالة الحريري".

ويشير جبور إلى أن الرئيس الحريري أكد من قصر بعبدا على ما أعلنه من الرياض، بأن "هنالك تجاوزات للتسوية". ومن أجل بلورة تسوية سياسية جديدة تحدّث الحريري عن ثلاث نقاط أساسية: هي "الالتزام أولاً باتفاق الطائف بما يختص بالبعد السيادي المتصل بسلاح حزب الله، النأي بالنفس الفعلي لا الشكلي، أي انسحاب حزب الله من أزمات المنطقة، وضرورة عدم تحويل لبنان إلى منصة لإطلاق المواقف ضد الدول الخليجية".

ويرى جبور أن المسار الذي دخلته الأمور هو الاتجاه الصحيح لمقاربة الأزمة السياسية الحالية، فـ"مع إعلان التريث عن تقديم الاستقالة بدأت مرحلة المفاوضات السياسية من أجل محاولة الوصول إلى تنازلات من قبل حزب الله على قاعدة وضع آليات لخروجه من المنطقة أولا، وتسليم سلاحه للدولة ثانيا، والالتزام ثالثا بشكل واضح بعدم التهجم على القوى العربية والخليجية باستثناء النقد الطبيعي التي تمارسه كل القوى السياسية بما لا يعرّض علاقات لبنان للخطر".

وهي مرحلة سيكون قوامها مشاورات سياسية مكثفة من أجل الوصول إلى تذليل الأسباب الموجبة للاستقالة، وبالتالي "إذا تجاوب حزب الله مع الشروط والعناوين التي وضعها الرئيس الحريري، يمكن للحريري أن يتراجع عن استقالته، وإذا لم يتجاوب وأصر على مواقفه سيذهب الحريري إلى تأكيد استقالته. فالكرة اليوم وضعها الرئيس الحريري في ملعب حزب الله الذي عليه ان يتعامل مع العناوين التي وضعها الحريري بجدية تامة من أجل الخروج من الأزمة السياسية الحالية".

وعما نشرته بعض وسائل الإعلام، وكان قوامه التشكيك بزيارات رئيس حزب القوات الأخيرة إلى السعودية، والغمز إلى دورٍ ما لعبه جعجع في الانقلاب على الحريري، يلفت جبور إلى أن كل هذا الكلام لا يمت إلى الواقع بصلة وكل الهدف منه إثارة الغبار وقطع العلاقة بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية.

"لأن من خلال قطع هذه العلاقة يتمكن حزب الله من الانقضاض على الواقع السياسي اللبناني"، وفقاً لجبور، مشيراً إلى أن هذا الكلام ليس بحديد بالنسبة للقوات ولا لتيار المستقبل بل اعتاده الطرفان، و"منذ العام 2005 كان هناك محاولات مستمرة لضرب هذا التفاهم الاستراتيجي حول عنوان السيادة في لبنان". ورفَض جبور التوقف كثيراً أمام ما سمّاه بـ"الأكاذيب والأضاليل التي كان هدفها ضرب التحالف الاستراتيجي السيادي بين القوات والمستقبل".

ويؤكد على أن العلاقة بين الطرفين لم تتأثر أبداً بكل ما انتشر، و"التواصل مستمر وقائم" كاشفاً عن لقاءٍ أكيد وقريب خلال الأيام المقبلة بين الحريري وجعجع، لمتابعة التواصل والمشاورات السياسية للمرحلة المقبلة.