"ليبانون ديبايت" - نهلا ناصر الدين

لا يختلف اثنان على أن "تفاهم معراب" ليس على ما يرام، ولا يبدو أن السنوية الثانية لتاريخ هذا التفاهم التي تأتي في 18 كانون المقبل ستكون كسابقتها. فقد جاءت مقابلة رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل التلفزيونية الأخيرة بمثابة عاصفةٍ هوجاء عرّت "إعلان النوايا" من أوراق التفاهم التي كانت كثيرة التأرجح طوال الفترة السابقة من دون أن تسقط.

"القوات انقلبت على التفاهم مع التيار..." قالها الوزير باسيل قاطعاً الشك باليقين حول الخلاف بين الطرفين، فيما لاقاه إلى المتراس نفسه من الضفة المقابلة رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع مؤكّداً على أن "التفاهم يعني الشراكة، لا أن يضع فريق نفسه في تصرّف آخر...".

أسباب كثيرة أوصلت زواج المصلحة والمصالحة بين القوات والتيار الوطني الحر إلى هنا، بدءاً من معارضة القوات لعدة صفقات مشبوهة كان يُراد تمريرها ، وصولاً لتأييد القوات اللبنانية للاستقالة القسرية التي فرضتها السعودية على رئيس الحكومة سعد الحريري، مروراً بحرب التعيينات، ولقاء باسيل الاستفزازي مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم، ولعب باسيل لدور عرّاب الجمهورية والمتحدث باسم المسيحيين وحقوقهم، والتفرّد بالموقف المسيحي بدلاً من الاكتفاء بالدور الوزاري والزعاماتي للتيار البرتقالي.

وكان التفاف التيار الأخير حول تيار المستقبل ومحاولة عزل القوات أو مقاصصتها، الفتيل الذي أشعل الغيرة في قلوب من لعبوا دوراً أساسياً في التسوية الرئاسية وفجأةً رأوا أنفسم خارجها.

يؤكد النائب في القوات اللبنانية فادي كرم في حديثٍ لـ"ليبانون ديبايت" أن الخلاف ليس بين التيار والقوات "لأن ما يتحكم بالعلاقة بين هذين الطرفين هو ورقة النوايا التي وُضعت، ولكن الخلاف أن الوزير جبران باسيل دائما انتقادي لمواقف القوات اللبنانية".

ويرفض كرم المزايدة على دعم القوات للعهد، فـ"القوات اتفقت هي والعهد على دعم العهد وبناء مؤسسات لاسترداد السيادة كاملة بناء على ورقة إعلان النوايا التي كنا قد وضعناها نحن والتيار الوطني الحر ونحن ملتزمون بهذا التفاهم وضمن هذا التفاهم سنكون دائما داعمين للعهد والحكومة، ومن هنا جاء تأييدنا والبيان الرئاسي".

ويصف كرم ما يصدر عن باسيل بحق القوات بـ"الظالم والخطأ وبمثابة ضربا للتفاهم بين الطرفين"، مطالباً باسيل "الذي ذهب بعيدا بهذا الموضوع والخلل جاء من جهته" بالعودة لقراءة ورقة إعلان النوايا "لأن الإلتزام بها كفيل بعدم وجود أي إشكالات بيننا وبينهم من أجل إنجاج العهد، وليعرف أن القوات لم تتزحزح عن التفاهم قيد أنملة".

ويلفت إلى أنه "اذا ابتعد باسيل عن إعلان النوايا يكون هو من يعرض العهد للاهتزاز". ورداً على سؤال حول امكانية تدخُل الرئيس ميشال عون لإعادة تعويم تفاهم معراب كون ورقة النوايا وُقعت أثناء قيادته للتيار، يقول كرم "الرئيس عون بمجرد القيام بدوره كرئيس للجمهورية يكون قد جمعنا كلنا، أما التدخل في هذا الموضوع فيرجع لفخامته إذا رأى ضرورة التدخل بين أي فريق لبناني وآخر".

في المقابل، يؤكد نائب التغيير والإصلاح ناجي غاريوس لـ"ليبانون ديبايت" أنه بالنسبة لهم كتيار وطني حر ليس لديهم أية إشكالية مع القوات اللبنانية.

أما ما أوصل الأمور إلى ما يفضل تسميته بـ"سوء التفاهم" فهو يعود "لتصرفات القوات اللبنانية في ما يخص التعيينات الوزراية وغيرها من التعيينات، وبينما كنا متفقون معهم على المناصفة بالرغم من أنه لا يحق لهم ذلك، أصبحوا يريدون المناصفة على حصة رئيس الجمهورية. يضاف إلى ذلك اعتراضات وانتقادات القوات الدائمة على وزراء التيار في الجلسات الحكومية بحجة محاربة الفساد، وكأنهم يضعوننا في خانة الفاسدين، ويزايدون علينا بمحاربة الفساد، ونحنا عندما طرحنا محاربة الفساد كان الكل غارقا به. وطلبنا منهم عدة مرات عدم التعدّي على وزرائنا داخل وخارج المجلس، بينما نحن كنا نكنّ كل الاحترام لهم بالرغم من أن وزراءهم ليسوا ملائكة".

يلفت غاريوس إلى أن التيار لا يريد التشابك مع القوات ولن يتشابك معها و"ليس لنا مصلحة بذلك والتفاهم لا زال قائماً ولكن المطلوب ليس أكثر من أن يتعاطوا معنا بالمثل".

وفي ما يخص التحالفات الانتخابية، وما إن كانت ستتأثر بتشنج العلاقة بين القوات والتيار يقول غاريوس "من المبكر الحديث عن التحالفات فلا تحالفات واضحة حتى اليوم بين أي من الأفرقاء السياسيين".

ويؤكد غاريوس على أن التفاهم بينهما مستمر وهو مبني على تحالفات استراتيجية، لافتاً إلى أنه سيكون في المرحلة المقبلة اتصالات جدية بين الطرفين لتمرّ غيمة الصيف هذه بسلام".

يصرّ الطرفان على أن التفاهم التاريخي لا زال مستمراً رغم المطبات، أما شجرة التفاهم التي سقط الكثير من أوراقها عند كل مفترق طرق، من دون أن يجرؤ أحدهما على نعيها فلا زالت مثمرة بنظرهم وإن كانت هذه الثمار "سوء نوايا".