"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

أدخلت التسويّة الرئاسية مجدداً إلى غرفة العناية الفائقة بعد إستحضار رصاصة "دورة عون" ثم اطلاقها بشكل عشوائي لتصيب طرفاً أساسياً، مما تركَ المجال للتكهّن حول مدى خطورة الاصابة ومقدار الوقت المطلوب للشفاء منها.

السؤال الذي يوجب طرحه في هذه اللحظة، هل كان من الحكمة فتح ميدان الرماية الآن واستدعاء مواضيع من حقبة الحرب البائدة ثم رميها على طاولة التفاهم؟ الجوب لا، وهذا "الفاول" يجب أنّ تسأل عنه الدائرة القريبة من الرئيسين.

وطالما أنّه لا يمكن اغفال "احقيّة" البعض بمضمون المرسوم موضع الخلاف، كذلك لا يمكن فرض المظلوميّة على البعض الآخر أو ادخال البلاد في نفقٍ بالغ الخطورة على أبواب الاعياد، لذا يصبح التراجع عن الخطأ فضيلة.

وعلى الرغم من الندب الذي احدثته الخطوة وما استتبعها من نزفٍ في المواقف، إختار رئيس مجلس النواب نبيه برّي المداواة على طريقته عبر صعق الجسد بضربة انعاش ثم ترك لرئيس الجمهورية أنّ يعالج الموضوع.

كلام برّي الايجابي أمس في لقاء الاربعاء يمكن وضعه تحت خانة "الكلام التحفيزي التحذيري" من بلوغ المرحلة القادمة التي هدّد الوزير علي حسن خليل بالوصول اليها، وبالتالي يكون بري قد وضع الحل بعهدة الرئيس تاركاً لنفسه خيار دخول المرحلة "السوداء" التي حذّر منها "مرغماً".

الذي يرجح امكانيّة الوصول الى هذا الدرب، ما جرى أول من أمس في جلسة مجلس الوزراء، إذ اوحى ضرب الوزير خليل الطاولة بيده، على وجود اصرار من قبل فريق الرئيس بري للدفع نحو التراجع عن الخطوة أو انتظار عواقبها.

وبعد أنّ دخلت العلاقة في نزيفٍ حاد، كان لا بدَّ من طبيبٍ يضع يده على الجرح، فكان أنّ تدخّل المدير العام للامن العام اللواء عبّاس ابراهيم ثمّ اجرى عمليّة جراحيّة عاملاً على استئصال الورم الخَبيث مستفيدةً من حيازته تكليفاً يجيز له "حل المشكلات" فسجل له حراك على خط الازمة ثلاثي الابعاد.

ثم وبعد التماس رؤية الواقعة التي ستقع، اختار زعيم اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط المساعدة في غرفة العمليات مكلفاً من كان بالصحة خبيراً معاونه السياسي وائل ابو فاعور للدخول على خط الازمة والطوفان نحو الافرقاء السياسيين فحط رحاله في عين التينة وفتح خطاً مع الضاحية، في وقتٍ كان حزب الله يفعل عمل خلية الازمة المؤلفة من المعاون السياسي الحاج حسين خليل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا للعمل على خطين متوازيين من اجل المساهمة في اجتراح الحل.

ووفقَ معلومات "ليبانون ديبايت" تحركت الضاحية باتجاه بعبدا وعين التينة واضعةً رسالة في الاولى تعتب فيها على الخطوة "التي اختيرت في وقتٍ غير موفق"، طالبةً من الثانية "الهدوء وابتداع تخريجة ملائمة".

وعلى نفس الاهداف سارَ اللواء ابراهيم ومن خلفه الوزير أبو فاعور، يحاولان تبريد الاجواء التي ظهرت أولى خيوطها عبر طلب الرئيس الحريري الأمين العام لمجلس الوزراء فؤاد فليفل تجميد نشر المرسوم في الجريدة الرسمية حتى يتشاور مع رئيس الجمهورية للبحث عن مخرج للأزمة وثانيها من خلال موقف بري أمس، ثم ترك للمطبخ استخراج الوجبة الملائمة لتسويقها على المعنيين.

وعلم من مصادر متابعة للحراك الراهن، أنّ التخريجة التي يجري العمل عليها تقوم على اساس حفظ خيارات الجميع دون التعرض لماء وجه أحد.

وعليه سيكون الحل مسنوداً على القاعدة اللبنانية "لا غالب ولا مغلوب"، ويتوقع ان يجترح عبر ضم ضباط دورة الـ1995 الى ضباط دورة الـ 1994 –موضوع الخلاف- ومنحهم سنة اقدميّة.

لكن ذلك لن يحصل على قاعدة عمليات التجميل واعادة "ترقيع" المرسوم الذي وقع وانتهى أمره، بل أنّ ما يسرب يوحي بالتوجه نحو مجلس شورى الدولة وتقديم طعن يعيد المرسوم إلى حلقته الاولى، ثم تدخل التعديلات اللازمة عليه ويتم توقيعه من قبل الرئيسين عون والحريري وملاحظة توقيع وزير المال علي حسن خليل.

وطالما ان لا معلومات حول مصير هذا الاقتراح – المسودة -، تركت الفترة الفاصلة بين عيدي الميلاد ورأس السنة أي العطلة الرسمية ضمناً، لتكون المساحة التي يؤمل استخراج الحل منها وبالتالي الخروج من الاعياد بوفاق ضمن الحد الادنى من الاضرار.

أمّا عواقب عدم الوصول الى حل يرضي الجميع قد تكون كارثية، إذ أنّ ما يسرب من عين التينة يذهب حد التلميح بوجود نية لـ"الاعتكاف" وقد يتحول أمراً واقعاً بعد تاريخ الثالث من كانون الثاني القادم، عندها نصبح في حلبة أخرى أشد وطأةً من ما نحن فيه اليوم.