Beirut
16°
|
Homepage
هلا بالخماسي...
طارق حسون | المصدر: ليبانون ديبايت | السبت 23 كانون الأول 2017 - 11:06

"ليبانون ديبايت" - طارق حسّون

يعتقد بعضهم ان تغريد القوات اللبنانية خارج سرب الفساد والصفقات والتنازلات السيادية يستوجب قيام تحالف خماسي لعزلها وخنقها والانتهاء من "وجع الرأس" الذي تُسببه لهؤلاء.

ويفترض هؤلاء ان انضمام تيار المستقبل جذرياً الى هكذا تحالف هو الشرط الضروري للوصول الى النتيجة المرجّوة.


للوهلة الأولى قد يبدو هذا الأمر واقعياً وصحيحاً، ولكن بعد تشريح هذه المعادلة والتدقيق فيها يتبيّن لنا التالي:

اولاً، ابتعاد تيار المستقبل عن القوات اللبنانية واقترابه من فلك حزب الله و8 آذار، في ظل تصاعد صراع المحاور في المنطقة، وفي ظل الصراع السني-الشيعي المُحتدم من المحيط الى الخليج، يعني عملياً ومنطقياً إخضاع تيار المستقبل الى تحوّل بنيوي يفقد معه علّة وجوده الأساسية المُتمثّلة بخطابه السياسي السيادي، ويصبح عندها حالةً سنية محدودة زمانياً ومكانياً شبيهاً بحالة عبد الرحيم مراد او وجيه البعريني.

في العام 1982 ورث الرئيس امين الجميّل رئاسة جمهورية، وزعامة مسيحية، وحزب كتائب، وقوات لبنانية، ولكنه بمجرّد ان اتخذّ منحى التفاهمات/الصفقات السياسية مع سوريا ومع حلفائها الداخليين، حتى خسر كل الإرث الكبير الذي انتقل اليه، وما كاد يصل الى منتصف ولايته الرئاسية، حتى كانت قوى مسيحية عديدة تجري حصر الإرث السياسي والشعبي لمنظومة عهده وحزبه وشعبيته.

ثانياً، اقتراب تيار المستقبل من حزب الله من اجل عزل القوات اللبنانية يوصل تلقيائاً الى عزل تيار المستقبل نفسه سنياً، فالشارع السنّي صاحب ذاكرةٍ ووجدان ولم ينسَ مواقف الدكتور جعجع الوطنية المشرفّة الداعمة لثورة الأرز ولقضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وليس بالسهولة تلك إقناعه بأن الدكتور جعجع تحوّل بين ليلة وضحاها الى "بعبع" وحزب الله الى صديق، بمجرّد ان احداً ما حاول تشويه سمعته ورميه بالبحصة.

ثالثاً، حتى ولو صحّ الكلام عن ان الدكتور جعجع "حرّض" السعودية على الرئيس سعد الحريري، فهذا لا يُشكّل إدانةً له لدى الشارع السنّي، لأن جعجع لم يُحرّض على الحريري لدى ايران او سوريا مثلما دأب بعض اركان "الحلف الخماسي" على فعله منذ ما قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري وحتى اليوم، وإنما توجّه الى المرجعية الدينية السنّية والعربية الأولى في العالم، وهو بكافة الأحوال لن يُحرّضها ضد الحريري على امورٍ يقوم بها الأخير وتصّب في مصلحة السعودية والحالة السنية التي تُشكلّها، وإنما على امورٍ تخدم اجندة المحور الإيراني في المنطقة.

وبالتالي هذه الواقعة، حتى ولو صحّت فعلا، من اجل التحريض على الدكتور جعجع لدى الشارع السني في لبنان لن تُعطي اي نتائج مرجوّة، لاسيما ان هذا الشارع نفسه متململ ومستاء وغير راضٍ عمّا آلت اليه سياسة الحريري منذ بضع سنواتٍ وحتى اليوم، والنتائج سبق لها ان ظهرت في نتائج انتخابات فرعية الضنية او نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة.

رابعاً، انطلاقاً من هنا فإن ابتعاد تيار المستقبل عن القوات اللبنانية واقترابه من حزب الله، يُقوّي القوات سنياً، ويُحرّرها مسيحياً. فابتعاد المستقبل عن القوات لا يُضايقها مسيحياً بالنظر الى ان تيار الحريري لا يملك حيثيةً شعبية عند المسيحيين، بل على العكس تماماً فهذا الابتعاد سيُحرر القوات مسيحياً، ويجعلها اكثر قدرة على استقطاب شرائح مسيحية وسطية ناقمة عن السياسة الاقتصادية للحريرية السياسية من جهة، وغير راضية عن طريقة إدارة تيار المستقبل لعلاقته بحلفائه المسيحيين من ناحية احتكار المقاعد النيابية والوزارية وإعطاء حلفائه ما "ثقل حمله وخفّ ثمنه".

لقد تحملّت القوات اللبنانية كثيراً وتعرضّت لسهامٍ شتّى جراء دفاعها المستميت داخل الشارع المسيحي عن تيار المستقبل والسعي لإظهاره كتيارٍ سني معتدل بخلاف الصورة النمطية التي حاولت 8 آذار إعطائها عن هذا التيار، إن لجهة اعتباره امتداداً طبيعياً لداعش والقاعدة، او لجهة إطلاق الألقاب والتسميات على شخصياته الأساسية كتسمية "جند الشام" في مخيم عين الحلوة بـ"جند الستّ" نسبة للنائب بهية الحريري. وبالتالي فإن اي تحالفٍ خماسي يشارك تيار المستقبل في قيادته لعزل القوات يؤكد ما ذهبت اليه ماكينة 8 آذار لجهة "تطرف واصولية وداعشية" تيار المستقبل، وذلك بالنظر الى ان القوات اللبنانية تشكّل روح وعصب الوجود المسيحي الحر في لبنان، وكل مسّ بها يعني تلقائياً تهديد هذا الوجود بما يُشكّل امتداداً لسلوك داعش في الإقليم.

خامساً، تركيبة لبنان تحكمها توازنات دقيقة جداً موزعة بين محورين اساسيين محور 14 آذار ومحور 8 آذار، وبالتالي فإن اقتراب اي طرفٍ من المحور الآخر يُقابله حُكماً ارتسام معادلةٍ جديدة تحافظ على هذا التوازن، وهي معادلة تفترض حتماً إضعاف الطرف المُنتقل الى الضفة الثانية وتقوية الطرف الثابت في الضفة الأولى.

محور 14 آذار ليس اسماء لعددٍ معين من الأحزاب بمواجهة عددٍ معيّن من الأحزاب في المقلب الآخر، وإنما هي توازن شعبي بمواجهة توازن شعبي آخر. فإذا كانت 14 آذار تعتمد مثلاً على 3 أحزاب، في مقابل اعتماد 8 آذار على 100 حزب، فهذا لا يُغيّر شيئاً في معادلة توازن القوى القائمة، لأن الأحزاب المئة تلك توازي الأحزاب الثلاثة الأولى.

كذلك الأمر اذا انتقل تيار المستقبل الى ضفة 8 آذار، فهي قد تكسب إسماً إضافياً لحزب سياسي ضمن تحالفها، وتخسر 14 آذار بالمقابل إسماً لحزب سياسي في تحالفها، ولكن تيار المستقبل سينتقل هزيلاً الى ضفته الجديدة، وسيأتي من تلك الضفة او من الضفة الوسطية الى ضفة 14 آذار مجموعاتٍ شعبية لا تستثيغ تيار المستقبل، ولم تهضم كل صورة التحالفات ومحاولات العزل والمحاصرة من اساسها.

سادساً، تحرر القوات اللبنانية من تحالفاتها "الإسلامية" وتعرضّها لمحاولة الحصار من قبل القوى الإسلامية في البلد، بالتكافل والتضامن مع التيار الوطني الحرّ، سيُكسبها شعبية ومشروعية مسيحية إضافية. فالتيار الوطني الحر هو بالأساس خصم انتخابي للقوات اللبنانية، وانضمامه الى التحالف الخماسي لن يُسمن ولن يُغني عن جوع، وإنما سيؤدي الى ربحه بعض النقاط السنية، لا المسيحية، لدى الشارع المؤيد لتيار المستقبل، وخسارته بالمقابل العديد من النقاط داخل الشارع المسيحي.

الإستنتاج:
القوات اللبنانية لا يمكن عزلها مسيحياً للأسباب التاريخية والموضعية المعروفة، ولأن الخصومة الانتخابية مع التيار الوطني الحر اخذت مداها الأقصى لصالح التيار الوطني الحر في العامين 2005 و2009، ومع ذلك خرجت منها القوات بمناصفةٍ على الصعيد الشعبي. كما لا يمكن عزلها سنياً، لتقاطع خطابها السيادي وتحالفاتها الاقليمية مع خيارات الطائفة السنية. ولا يمكن عزلها شيعياً لأنها بالأساس خارج كل التركيبة السياسية للطائفة الشيعية.

امّا الاستنتاج الأهم، فإن اي تحالفٍ خماسي او غير خماسي يقوم لعزل القوات، لا يعدو ان يكون تحالفاً خنفشارياً لا خماسياً...اما لسان حال القوات، في هذه الحال، فيقول: هلا بالخماسي.... والسلام.
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
"الموس وصل عالرقبة"... على الحكومة التحرّك فورًا! 9 إنتشار عسكري "غربي" في لبنان وحشود إيرانية وروسية وصلت.. عماد رزق: بيروت ستقصف وحرب التحرير بدأت! 5 بو صعب خارج "التيّار" رسميًا! 1
بيان "هام" من الشؤون العقارية 10 في جونية... سوريّون يسرقون مخزناً للبزورات! 6 كلاب بوليسية وانتشار أمني... ماذا يجري في الضاحية؟ 2
لتخفيف استعمال الدفع النقدي... بيان من مصرف لبنان 11 "سوريا الثورة" تثير البلبلة في البترون! (صور) 7 إشكال وجرحى في بلدة لبنانية... ما علاقة "الزوجة الثانية"؟! (فيديو) 3
حادثة رئاسية فضحت "الثنائي الشيعي" 12 "عبوهن بالباصات وكبوهن بسوريا": سياسي يدعو الى التحرك سريعاً… ونسب مقلقة في السجون اللبنانية! 8 "رح نحمي بيوتنا" و"الله أكبر سوريا"... غضبٌ عارمٌ وثورة سورية قريباً في البترون! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر