Beirut
16°
|
Coming
Soon
Coming
Soon
بلديات
الرئيسية
الأخبار المهمة
رادار
بحث وتحري
المحلية
اقليمي ودولي
أمن وقضاء
رياضة
صناعة الوطن
..وهناك القوات وصريف الأسنان
طارق حسون
|
المصدر:
ليبانون ديبايت
|
الاحد
31
كانون الأول
2017
-
12:08
"ليبانون ديبايت" - طارق حسّون
سنة جديدة تطوي صفحتها الأخيرة، والقوات اللبنانية هي هي منذ مخاض ولادتها وحتى محاولة محاصرتها. تختلف الظروف وتتعدد التسميات وتستمر محاولات ضرب وخنق ومحاصرة هذه السنديانة التي وُلِدت قيصرياً فأطاحت في مسيرتها بقياصرة التقليد والاقطاع والفساد والارتهان للخارج.
اليوم كما الأمس، القوات تُزعِج وتشاكس وتعترض وتقاوم وتقول لا، والآخرون يبتكرون الأساليب القديمة الجديدة، ويجترحون "الوصفات" للتخلص من هذا الدواء الذي صار لهم داءً يستحيل اجتثاثه.
في العام 1976 وُلِدت القوات غصباً عن إرادة التقاليد الحزبية التي تسمو الى مرتبة القدسية، فحورِبَت وحاربت، حوصرت وحاصرت، وتمكنت في النهاية من ان تحجز لنفسها مقعداً في الصفوف السياسية الأمامية، ثم سرعان ما اصبحت هي سيدة الصف الأول.
بعد استشهاد قائدها خرجت الثعالب القديمة الجديدة من جحورها، وعادت نغمة الغاء القوات او تحجيمها او إعادتها الى رحم امهّا لتطفو على سطح الحياة السياسية.
ومع ان الاحتلالات والمليشيات المحلية والسورية والايرانية والفلسطينية كانت تنهش السيادة الوطنية من كل الاتجاهات، ومع ان الحروب والصراعات الطائفية والحزبية واللبنانية والاقليمية كانت مُستعِرة بين الجميع، الا ان التناقضات المحلية والاقليمية كلّها كانت متوافقة ضمناً على تحجيم القوات اللبنانية، لا لشيء إلاّ لأنها كانت الشاهد الوحيد على تعامل العملاء وخيانة الخونة وارتهان المُرتهنين.
فالقوات اللبنانية كانت التنظيم الوحيد الذي لا يأتمر بالخارج، والتنظيم الوحيد الذي كان رئيسه هو قائده الأعلى الذي لا تعلوه سلطةٌ سياسية أخرى، بخلاف الأحزاب والتنظيمات الأخرى التي كان رؤساؤها مجرّد مبلغّي اوامر او توصيات مرجعياتٍ إقليمية اعلى.
القضاء على القوات ومحاصرتها كان ليُلغي الشاهد الأخير على مرجعية لبنان ولبنانية القرار ووطنية النواة، وكان ليُحدد قواعد وضوابط الحروب او الصفقات الاقليمية على ارض لبنان، من دون اي خشية من خربطةٍ معيّنة يقوم بها طرفٌ داخلي لحساباتٍ لبنانية محض، خارجة عن كل حساباتهم.
مرّت القوات بظروفٍ مستحيلة في صعوبتها، فأصبحت مُحاصرة من "الشرعيتين" اللبنانية والعربية، ومن الاحتلالات والمليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، ومع ذلك صمدت وكسرت الحصار، اذ ان التفاف الشعب المسيحي حولها اكسبها مشروعية مسيحية سرعان ما سُيّلت دستورياً الى مشروعية ميثاقية، بات معها تخطّي القوات اللبنانية يعني تخطّياً لمكوّنٍ مجتمعي تأسيسي في لبنان، وبات معها اي حوارٍ إسلامي او غير إسلامي مع الشرعية الدستورية المسيحية في بعبدا غير مُجدي، لعدم قدرة هذه "الشرعية" على وضع تعهداتها واتفاقاتها موضع التنفيذ الفعلي على ارض الواقع في ظل هالة القوات اللبنانية.
وبذلك عبرت القوات من المشروعية المسيحية الى المشروعية الوطنية، وباتت الطرف شبه الوحيد المُخوّل بأن يحاور الأطراف الإسلامية وغير الإسلامية نيابةً عن المسيحيين.
في اواخر الثمانينات واوائل التسعينات اُعيدت الكرّة من جديد، ووجدت القوات نفسها امام محاولات الإلغاء والحصار والحظر، واتفقت جميع التناقضات الطائفية والوطنية والإقليمية ضمناً او علانيةً على "قطع رأس يوحنا"، لدرجةٍ تقلّص فيها نفوذ القوات الى 4 امتارٍ مربّعة، لا فوق الأرض وإنما تحتها.
ورغم كل محاولات الاحتلال والأطراف الداخلية المتعاونة معه على تركيب قطع البازل اللبناني الموجودة في الجَيب بما يتناسب مع مصالح ونفوذ هذه القوى، إلاّ ان وجود مجرّد قطعةٍ واحدة خارج هذا النَسَق كان يُعيق تركيب هذه صورة المشهد، واستمرت المحاولات الفاشلة الى ان تخربطت كل الصورة المُصطنعة وغير المُكتمِلة دفعةً واحدة، وانفجرت التناقضات على حقيقتها المُرّة موديةً في اول طريقها بالرئيس الشهيد رفيق الحريري.
في تلك الفترة وما قبلها عادت القوات اللبنانية لتُشكّل مركز جذب واستقطاب بين الجميع، فالرئيس الشهيد والوزير جنبلاط يحاولان استمالتها نحوهما، وقوى 8 آذار تحاول بدورها التفاوض معها على البارد في السجن، لكن القوات بقيت هي هي في مكانها، من اقترب من ثوابتها حّل اهلاً ووطِأ سهلاً، ومن ابتعد اقفلت وراءه النافذة التي تدخل منها الريح، من دون ان يرتاح منها ولا يستريح.
اليوم تتكرّر هذه المحاولة من جديد، وتعود التناقضات لتشكّل تحالفاتٍ ظرفية مصلحية علّها تنجح في محاصرة القوات وتحجيمها، لكن القوات هي هي لا تتزحزح من مكانها، فالأرض قد تهتّز تحت اقدامها لكنها لا تقع الا تحت اقدام الآخرين. من شرب النهر لا يغصّ بالساقية، والحرتقات الأخيرة لا ترقى الى مرتبة الساقية حتى، هي ليست اكثر من فقّاعة ماء وصابون، مقارنةً بما مرّت به القوات في تاريخها ومرّمرت به افواه من حاول ابتلاعها.
القوات ليست مهتمّة بعقد تحالفاتٍ انتخابية ظرفية مع ايٍ كان، حتى ولو اكسبها هذا الشيء 20 نائباً إضافياً، ما يهمّها هو التحالفات السياسية الاستراتيجية القائمة وفق اسسٍ وقواعد واضحة لا تحتمل التأويل والاجتهاد والرمادية.
وهي ليست مهتمّة كذلك بعقد تحالفاتٍ إنتخابية مع أحزاب بعينها، مهما تعددّت التسميات واختلفات، لأن خطابها السيادي الواضح كفيلٌ بأن يجذب اليه شرائح وطنية وطائفية من كل الفئات، دون الحاجة الى وسيطٍ حزبي.
من يعتقد ان بإمكانه محاصرة القوات، فليقرأ مآل تاريخها مع الحصار والعزلة، وليتمّعن اليوم ايضاً بلوحة الفسيفساء السياسية النافرة التي تتجاذب المشهد الوطني، فكلّما ضاق الخناق على القوات، كلما كثُر الخِناق بين "الخانقين" لدرجة الخنق، وعمت الفوضى وبرج بابل السياسي مثلما هو حاصلٌ اليوم، وبالنهاية تبقى القوات ثابتة في مكانها، بينما الباقين يُعيدون تبديل اماكنهم وتعديل حساباتهم وترتيب اولوياتهم.
القوات هي ضابط الإيقاع في التوازنات الوطنية الدقيقة، وحتى ولو اعتقدت بعض الطوائف او الأحزاب بأن القوات هي عدوّ يستحيل التلاقي معه، إلاّ ان غياب هذا "العدو" او تغييبه عن المشهد، سرعان ما يؤدي الى حصول تحالفاتٍ وتحوّلاتٍ كاسرة للتوازن تُلحق الضرر الكبير بتلك الأطراف بالذات، قبل غيرها.
مهما يكن من امر، على الجميع ان يعلم بأن القوات لا تصرخ اولاً، ومن له اذنان سامعتان فليسمع البكاء والصراخ وصريف الأسنان من حولها...والسلام.
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News،
اضغط هنا