Beirut
16°
|
Coming
Soon
Coming
Soon
بلديات
الرئيسية
الأخبار المهمة
رادار
بحث وتحري
المحلية
اقليمي ودولي
أمن وقضاء
رياضة
صناعة الوطن
أمومتي: سنواتٌ من وقف التنفيذ
نادين جوني
|
المصدر:
ليبانون ديبايت
|
الاربعاء
21
آذار
2018
-
0:01
"ليبانون ديبايت" - نادين جوني*
صغيري اتمّ الثمانية أعوام في الخامس عشر من الشهر وانا اتممت سنتي السادسة، اليوم تحديدا في عيد الام ، ينهكني آذار. يبذل الربيع من حولي جمالا فلا الحظه.. لسنتي السادسة لا الحظ الربيع.. هو ربيع الدنيا وخريفي انا.
يحمل اذار فرحي وألمي، فيه ولد كرم، يومي الاجمل، من اعمق ما في جسدي وروحي خرج طفلا وتملكني، و كنت انا طفلة ملكت اغلى ما في هذا الوجود، بات كل كوني.
سنتين فقط كانت نصيبي من امومة باتت مع وقف التنفيذ، فقط لانهم قالوا ذلك ومنعوا عني الخيار.
يقلقني مضي الوقت ونفاذه، اسابقه ويسبقني واظل اركض خلفه. ابني يكبر.. وانا مثله.. ويكبر معنا الحرمان.
أذكر يوم وقفت أمام القاضي في المحكمة الجعفرية وسألت: متى أستطيع أن أحصل على حضانة ابني؟ فكان جوابه سيخيّر عند الرابعة عشر. نظرت إلى التاريخ يومها فرأيت ١٢ سنة بما فيها وما بعدها.. رأيت نفسي وشعرت بانني اتلقى دفعة أولى من الالم. والباقي قادم بالتقسيط.
عمرّ طويل سيمضي، اطول مما احتمل واقسى ايضا. شعرت بضيق صدري على فراغ حرمان يتسع للكون. لم يرضني ذلك ولا استسغت الظلم. كنت صغيرة على هذا الوجع، كبيرة على الصراخ، وعصية على البكاء، على الاقل امام وجوههم التي تنتظر مني دمعة انهزام.
لم استطع التسليم بهزيمة قبل خوض معركتي، معركة تلك الطفلة التي سلبت كونها بقانون الهي قادم من الجحيم، "فليعد الى الجحيم" قلت حينها، وبدأتُ معركتي مع القانون وكلي امل بالوصول الى حقي قبل بلوغ كرم سن التخيير.
منذ تلك اللحظة وأنا أسابق الوقت، أكره الساعات، أكره مراقبة الوقت، بعد ست سنوات من الحرمان؟ تغير الكثير.. إلّا القانون وأنا.
أستيقظ كل صباح على انذار بمرور يوم جديد، أدرك فيه أن لا شيء سيتغير، سأشرب قهوتي، وأعتقد أنك الآن بدأت حصّتك الدراسية الأولى، سأرتدي ملابسي وأذهب إلى العمل، سأنظر إلى الساعة مجدداً وأتيقن أنك تتناول فطورك الآن في استراحتك، يمرّ الوقت، سأنظر مجدداً وأتكهن أنك الآن عدت من المدرسة وتحفظ دروسك، ينتهي اليوم، يأتي الليل أخيراً أشعر بالإطمئنان أنك قد غفوت، أستسلم لثقلي وأغفو أيضاً، لربما الأحلام تسرقني من بين عقارب الساعة و مراقبتها القاتلة.
متعب أن يحصروا لك أمومتك بعقارب الساعة، أمارسها من خلال إقناع نفسي بتكهنات الأفعال والتواقيت. ترجعني الساعة إلى الواقع، أدرك أنني أسيرة هذا العمر والوقت الذي يمضي بالحرمان، أدرك أنني لست من جهزته للمدرسة وللحصة الأولى، لست من حضرّت له الفطور، لست من ستحضر له طعامه وتدرس وتلعب معه، وينهي يومه بين أحضانها.
لم يتغير حجم الألم، التفكير الدائم، البحث عنك بين وجوه الأطفال أينما كنت، لو حتى في بلدٍ مختلف، أن أمشي وأراقب المارّة لعلي احظى بلمحة صدفةً قد تريح قلبي لمدة أيام.
باقي ست سنوات أو ربما أقل، ولكني ما زلت عند قراري، سأتحرر يوماً ما من الساعة ولكنني لن أقضي على هاجس حرماني عمراً تعجز اي قوة في العالم عن إرجاعه.
سيحتفل الجميع اليوم بعيد الأم، سأستيقظ وسأستقبل التهاني، سوف أنتظر بضعة أيام كي أراه، كي يتسنى له أن يعايَدني، سأنتظر أيضاً أن تأخذه أختي الصغرى معها إلى المتجر كي يشتروا لي هدية وكعكة العيد، يهونون علي معاناتي ويشاركوه قراره في أن يختار هديةً لأمه حرم من تقديمها في يومها، سأنتظر ما سيختاره لي هذا العام وسأفرح معه في عيدي، لأنه هو امومتي.
في هذا اليوم كما الأيام التي أراه فيها، سأخفي الساعة، سأهرب من الزمان، سأزيل العقارب عن عنقي، وسأغمره.. اليوم عيدي الذي فيه اهزمهم..
*ناشطة حقوقيّة
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان،
اضغط هنا