"ليبانون ديبايت" - ريتا الجمّال:

نقل المجتمع المدني صراعه من الشارع الى صناديق الاقتراع علّه يحوّل حراكه الشعبيّ الى ساحة النجمة وداخل مجلس النواب، وهو يعلم مدى صعوبة المعركة الانتخابيّة.

"إنت واقف هون هلق لأن نحنا قدمنا شهداء"... هذا جواب ثلاثة شباب تحدّث اليهم المرشح لوسيان بو رجيلي حين وزّع منشور حملة "كلنا وطني" في أحد المقاهي. فما كان من "مناضل" الحراك الشعبيّ الا أن بادر بالرد: "لأ... أنا واقف هون لأن أمي وعيت عالسّاعة ٣ الصبح وأخدتنا من غرفة النوم إلي ولخيِّ (سنة ١٩٨٩) قبل ٦٠ ثانية مما تجي قذيفة وتدمّر الغرفة".

وكانت نتيجة النقاش :"خود منشورك معك. نحنا مش رح ننتخبك"... وقبل أن يغادر لوسيان المكان طلبت منه مجموعة من الاشخاص تجلس على طاولة جانبيّة، إعطاءها المنشور، باعتبار أنهم استمعوا الى الحديث، مؤكّدين أنّ صوتهم حتماً لمجموعته.

هذه الوقائع التي سردها المُرشّح عن المقعد الكاثوليكي في دائرة بيروت الأولى، هي واحدة من الصعوبات التي يواجهها المدنيّون بوجه الطبقة الحاكمة ومرشّحي الأحزاب الذين وعلى الرغم من شحّ "إنجازاتهم" وفضائح التمديد الثلاثيّة، لا يزالون الخيار التفضيليّ لمعظم النّاخبين لأسباب عدّة، منها المال الانتخابيّ الذي يدخل بدوره في اطار العوائق التي تعرقل وصول المرشّحين المدنيّين الى الندوة البرلمانيّة.

من المال الانتخابي الذي يُوزّع بطريقة خياليّة، الى وسائل الإعلام المرئيّة التي فتحت استديوهاتها وبرامجها لأصحاب المال والنفوذ باستثناء التلفزيون الرسميّ الذي بات الملجأ المرئي الوحيد للاطلالات المجانيّة بخطوة لافتة قام بها وزير الإعلام ملحم الرياشي، بالإضافة الى "لايفات" مواقع التواصل الاجتماعي التي يعتمد عليها مرشّحو المجموعات المدنيّة، للتواصل مع الناس، إمّا عبر حساباتهم الشخصيّة أو من خلال الصفحات الشهيرة التي يتابعها آلاف النّاشطين والتي يستضيفهم "أصحابها" المؤثّرين فيسبوكيّاً.

أوساط مطّلعة على الملفّ الانتخابيّ اعتبرت أنّ "خطوة التواصل الاجتماعي ذكيّة جدّاً وتصل الى المشاهد أسرع وأكثر من البرامج التلفزيونيّة على اعتبار انها الثورة الجديدة التي أطاحت وسائل الإعلام المرئيّة، لكنّها متّبعة بغالبيّتها من قبل العناصر الشّابة. يبقى عليهم الوصول الى الفئات العمريّة الأخرى التي بمعظمها لا تزال متأثّرة بالأحزاب".

ورأت الأوساط أنّ "الصعوبة الأكبر عند هؤلاء تكمن في الانفصام الموجود بين تاريخ السياسة والثقافة الانتخابيّة، والقانون الانتخابيّ الحاليّ. من هنا تخبُّط الناس وضياعهم، هم الذين تعوّدوا طيلة الدورات النيابيّة الماضية على نمط معيّن، ومن الصعب جدّاً تغيير ثقافة المجتمع بين ليلة وضحاها".

في المقابل، أشارت الى أنّ "فرص الفوز او الخرق تبقى بيد القوّة الصّامتة التي لها وحدها أن تصنع التغييّر، بغض النظر عن الصعوبات الكثيرة الأخرى الإداريّة والفنيّة المتعلّقة بالتقسيمات والحاصل الانتخابيّ المرتفع في دوائر انتخابيّة عدّة، وتوزّع المدنيّين في لوائح مختلفة".

ولفتت الى أنّه "على الرغم من العوائق الكثيرة يشكل المجتمع المدني خطراً على مرشّحي السّلطة. والأمر برز في استحقاقات بلديّة ونقابيّة عدة، آخرها انتخابات نقابة المهندسين التي تمكّن المدنيّون فيها من الحصول على نسبة لافتة بوجه تحالف الأحزاب مجتمعين. ويظهر أيضاً في المضايقات التي يتعرّض لها مرشّحو عدد من اللوائح المدنيّة خصوصاً في القرى المصبوغة طائفيّاً وحزبيّاً".