"ليبانون ديبايت" - ريتا الجمّال:

من وزارة الطاقة والمياه الى حقيبة الشؤون الاجتماعية، اتهامات متبادلة بين التيّار الوطنيّ الحرّ وحزب القوّات اللبنانيّة بالتقصير والإهمال وسوء إدارة ومعالجة الملفّات العالقة. خلافات وتباينات في الآراء، لا جامع بينهما سوى المخاوف الجديّة على الواقع اللبنانيّ الديمغرافيّ، والاقتصادي، والاجتماعي، والمعيشي، وحتى الأمني.

قضيّة اللاجئين السورييّن عادت الى الواجهة من بوّابة بروكسيل لتدخل الى حلبة الصراع على الحقائب الوزاريّة، وذلك مع إعلان وزير الخارجيّة والمغتربين جبران باسيل أنّ "وزارة الشؤون الاجتماعية يجب ألّا تعطى الّا لمن يلتزم سياسة واضحة في ملفّ النّازحين"، في اتّهام واضح وصريح الى الوزير "القوّاتي" بيار بو عاصي، الذي يُعدّ بحسب أوساط مُتابعة من الوزراء الذين أنجزوا الكثير في وقت قليل.

أوساط رأت أنّ "تصويب باسيل على القوّات أكثر مما هو على شخص بو عاصي، ويأتي بمثابة الردّ على الانتقادات التي طاولت السياسات التي اتبعها التيّار الوطنيّ الحرّ في وزارة الطاقة وملف البواخر، على اعتبار أنّ وزير الشؤون الاجتماعيّة يتحضّر للانتقال من السرايا الحكوميّة الى ساحة النجمة بعد فوزه في الانتخابات النيابيّة عن المقعد المارونيّ في دائرة بعبدا، تطبيقاً للقرار الذي اتّخذه الحزب بفصل النيابة والوزارة".

‎وبين الفعل وردوده، اسئلة كثيرة تطرح حيال عدم توجيه هذه التهم إلى وزارة الدولة لشؤون النازحين، التي استحدثت خصيصاً لمتابعة القضية ومعالجتها.

الخبير في السياسات العامة واللاجئين زياد الصائغ يرى أنّ "هناك التباساً واضحاً في الأدوار بين الوزارتين، إذ إنّ وزارة الدولة لشؤون النّازحين أعدّت سياسة عامة وسياقات تنسيقيّة لها، تمّ اجهاضها في 24 تشرين الأول 2017، على الرغم من ان المفاوضات كانت قائمة بين الأطراف كافةً، قبل أن يتنصّل منها أحد الفرقاء في اللحظات الأخيرة، ولا إمكان لتعداد الاسباب التي ترقى الى العناد أكثر منه الى الموقف العلمي".

أما وزارة الشؤون الاجتماعية ائتمنت على البعد الانسانيّ، والاقتصادي، والاجتماعي، من خلال نداء استجابة لبنان لأزمة النزوح وهي قامت بما يجب في هذا الإطار، وفق ما أكّد الصائغ الذي اعتبر بدوره أنّ "ثمّة من يود إعادة افتعال اشتباك سياسيّ غير مفهوم حول أدوار الوزارات لغايات في نفس يعقوب".

وكشف في هذا السّياق عن أنّ "الحكومات المتعاقبة منذ العام 2011 فشلت في إنجاز سياسة عامّة موحّدة تجاه النزوح، التي من الواجب ان تكون وقائيّة، أكثر منها ردود فعل، ومن غير المُمكن التعتيم على هذا الفشل بالصراخ والتخوين".

من منع انشاء مراكز ايواء مؤقّتة للنّازحين تحت سيادة الدولة اللبنانيّة وبرعاية الأمم المتحدّة في مناطق حدوديّة عازلة ما كان من شأنه ان يسهّل عودتهم التدريجيّة والمُنظمة؟ من عطّل تسجيل الولادات كي لا يتحوّلوا الى مكتومي القيد ثمّ ادّعى أنّه عرّاب التسجيل؟ من عرقل توحيد الإحصاءات الديمغرافيّة؟ من منع توقيع مذكرة بين الدولة اللبنانيّة والمفوضيّة العليا لشؤون النازحين؟

هذه الأسئلة التي تلخّص المراحل التي مرّ بها الملف منذ عام 2011 وحتّى اليوم، يطرحها الصائغ الذي يعود ويضيف "لمَ لم تتوجّه الديبلوماسيّة اللبنانيّة الى مسارَي جنيف واستانة ومجموعة الدعم الدوليّة، وجامعة الدول العربيّة، ومجلس الأمن، بخطّة واضحة بالتعاون مع الأمم المتحدة لتسهيل العودة التلقائيّة أو الطوعيّة أو المُنظّمة على أن تكون كريمة وآمنة؟ ولم لم تسعَ الى عودة مئات آلاف النازحين الى منطقة القلمون؟، معتبراً أنّ "المساءلة ضروريّة سياسيّاً وعلميّاً وأمام الضمير الوطنيّ".

وحول الاشتباك الحاصل بين التيّار والقوّات حول ملفّ النزوح، يرى الصائغ أنّ "المواقف التي أطلقها الطرفان تؤكّد على العودة، وهذا الأمر واضح ولا يقبل الريب، لذا ليس هناك من داع لافتعال معارك وهميّة، إذ إنّ الجرأة تكمن في الإجابة على الأسئلة المطروحة، والعمل بالتكاتف والتضامن بين الأطراف الداخليّة كافةً، وبالتعاون مع المجتمع الدوليّ، من أجل ادارة الأزمة وبلورة التصوّر الموجود أساساً لتنظيم العودة الكريمة والآمنة".

ودعا الصائغ الى "إخراج هذه المسألة من التجاذب السياسيّ، والشعبويّة، والديماغوجية، والارتجال، والاحتكام الى المقاربات العلميّة، لأنّ الحلول متوفّرة إنسانيّاً وسياديّاً، والتضليل لا يفيد وهو غير مقبول في الأزمات الكيانيّة".