"ليبانون ديبايت" - رامي نعيم

غريبٌ أمر اللبنانيين، جميعُهم يلهثون خلف قائدٍ وينتقدون آخر، والثابت في لبنان، أن مسار القيادة واحدٌ وأن لا قائد أو زعيما سياسياً طوّبته نزاهته، ورئيس المجلس النيابيّ نبيه برّي في الطليعة.

ينتقد اللبنانيون برّي، بعد انتخابه للمرة السادسة على التوالي رئيساً للمجلس النيابي. الأمر مستغرب في بلد الحريّات، لكنّه غير مستغرب في بلد تأليه الزعيم، أيّاً يكن.

من رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط الى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مروراً بفخامة الرئيس ميشال عون وصولاً الى رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، ورئيس الحكومة سعد الحريري. من من جمهور هذه التيارات يرضى بتغيير زعيمِه؟ من يسمح باستبعاد قائده؟

جميعهم منزّهون بنظر أتباعهم، لكنّهم غير منزّهين بنظر الآخرين.

الفرق بين الجميع وبين برّي إجماع الطائفة.

الإجماع الشيعي فرضَ برّي وعدم قدرة الطوائف الأخرى على تعديل الموقف الشيعي أيضاً فرض برّي، لكنّ الأساس يبقى في أداء برّي على مدى عقود.

- لم يكن برّي يوماً عدوّاً الا لإسرائيل. حتى في أصعب الخلافات بين المملكة العربية السعودية وإيران، كان برّي بحنكته السياسية قادراً على السير بين شظايا القصف السياسيّ العشوائي. لم يُغضب ايران ولَم يعاد السعودية.

- محليّاً، لم يعاد برّي القوات اللبنانية ولا الكتائب، كان على مسافة منهما في زمن القمع، لكنّه لم يتدخّل سوريّاً على الرغم من قدرته، ليضرب لبنانيّاً بآخر.

- هو صديق الرئيس السوري، والأقرب الى وليد جنبلاط على الرغم من العداوة بين صديقيه.

- هو الحريص على الطائف، والقانونيّ المحنّك، والقادر على فرض هيبتِه على أرفع الهامات في المجلس النيابيّ.

- هو من زمن الميلشيات، والتقاتل، والوريث الشرعيّ غير العائلي للإمام المغيِّب موسى الصدر، والسياسيّ الأمهر وبشهادة الخصوم قبل الحلفاء في لبنان.

- على مدى عقود، يعرِف برّي من أين تؤكل الكتف؟ صداقاته ثابتة، ومن يدخل حرمه السياسيّ، لا يخرج خائباً.

- حتى في أشد خلافاته مع التيار الوطني الحر، لم يقطع برّي مع التيار خيوط التفاهم... تشعر أن بعض أعضاء تكتل لبنان القويّ يفضّلونه على باسيل. وفِي لحظة الغضب من موقف رئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل، لم يفقد برّي حكمته. هدّأ من روع التسريب، والتقى الرئيس عون وطوى صفحة ردود الفعل، وعاد رئيساً للمجلس النيابيّ بخمسة عشرة صوتاً من تكتل لبنان القويّ.

- برّي، القريب من سوريا ومن السعودية وإيران وأميركا وأوروبا، هو نفسه صديق جنبلاط والحريري وفرنجية، ورجل تدوير الزوايا في كل المناسبات.

- لم يكن برّي يوماً طوباويّاً، فهو نموذج سياسيّ فريد. يحمي في حركة أمل "غير المنضبطين" ويأتي من الحركة نفسها الى الحكم "بالأوادم". هي تركيبة فريدة، تجمع بين الثائر على الإقطاع في جنوب كان محروماً، والخائف على الشيعة في زمن "كل مين إيدو الو".

- يَجْمَع برّي، بين النكتة السريعة، وسرعة البديهة والرصانة. شخصية فريدة، تُضحِكُك وترهِبُك في آن. تدخُل مكتَبهُ حالماً بدعمه، وتَخْرُج من لقائهِ وزيراً، في عالم الأحلام.
ليس غريباً أن يكون برّي رئيساً لمجلس على صورة اللبنانيين، بل الغريب أن لا يكون.
وقبل انتقاد وصوله، فلينظر كل مواطن الى حزبه وطائفته ومنطقته، وليرى القوات آليوم من دون جعجع والتيار بلا غطاء الرئيس والمردة من دون آلِ فرنجية وطائفة الموحّدين من دون آلِ جنبلاط، والسنّة من دون الحريري بين الأسير والتشدد الخطير، وبعدها، فلننتخب رئيساً للمجلس النيابي على صورة لبنان الحقيقية.