"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

ما كان مصلحةً عليا للتيّار الوطني الحرّ في السابق بات محجوب التنفيذ اليوم. أصبحَ خيار فصل النيابة عن الوزارة خارج التداول بعدما إحتل مشهد المطالبات البرتقاليّة لأعوام، كيف لا يُعلّق هذا الخيار وهو يتناقض والمصلحة الراهنة؟ إذاً فمصيره مصير غيره من العناوين العريضة التي رفعت وطرحت في زمن سياسي معيّن ثمّ ضربت وجرى اسقاطها بعد الفروغ منها.

وعليه، لا فصل ولا من يحزنون كي لا يزعل فلان أو فلان، فالقاعدة هي التصفيق ومناداة كل ما تزوج أمي بعمي، فيدوم هذا التصفيق ويدوم حتى تنتهي المصلحة منه.

يصبح عندئذٍ المقياس في الموقف السياسي يؤخذ على قياس مصلحة الفرد الوريث للموقع وليس على مبدأ عام رُفع وإتُبِع، فتضمحل عندها رؤى التغيير وتتساقط شعاراتها رويداً رويداً أمام المصلحة العليا غب الطلب، ويتحوّل كل الخطاب السياسي البائد الذي شدّ العصب كما وكأنه تمثال من تمر اُكل عند أوّل زومه جوع، أو أنه خطاباً ذو صلاحيّة تنتهي بمقدار انتهاء المصلحة المتوخاة منه وهو التسرّب إلى السلطة.

طبخة مصلحة أخرى تأتي لطرق باب السياسة تستند هذه المرّة وككلّ مرّة على لعبة الارقام والاحجام. يسعى التيّار وحلفائه إلى أقصى تمثيل في الحكومة، وللغاية يبتكر الفنون الجميلة التي تخدم الهدف.

يتردّد أن التيّار الوطني الحرّ 2018 غير جلده. يتفاخر بتعزيز موقعه في السلطة، لذا يحسب أن يقرّش التعزيز مواقعاً. تطوّر في مجرى الزمن وتحوّل من مبدأ الثنائيّة وصار النداء بالمثالة، المثالثة الفئويّة "وعلى القياس" طبعاً.

نتفاجئ بما ابلغت به مجالس سياسيّة حول ما يدور في رأس التيّار وتموضع في الشكل المعمول عليه لتقسيم السلطة بين الافرقاء المسميين على العهد. يفكر عبر تكتله النيابي بجني النسبة الاكبر من التمثيل الوزاري المردود على الحجم النيابي بل يسعى لشمل حصّته من أرزاق غيره الذين يتوقّع أن يستهدفون بحرب إلغاء، وها هم باتوا عرضةً لتخويفات يطلقها البعض.

ثمة اقرار واضح يصل حد الاعتراف، بأننا بتنا اليوم امام مطالبات ثلاثيّة يعمل التيّار الحرّ على ترويجها تدفن خلالها مبدأ الثنائيّة لصالح ثلاثيّة حكم تسعى لتثبيت الحصص الوزاريّة للرئاسة وللتيّار وللتكتّل، نعم تكتّل لبنان القوي المحسوب على العهد، الذي تروّج قيادة التيّار أنه يتميّز على الكتلة الحزبيّة الصافية، وإن هذا التكتّل كناية عن تحالفات سياسيّة تشكّلت لخدمة العهد، يصبح عندئذٍ التمثيل الوزاري هو حق مكتسب لهؤلاء منعزل عن حقوق التيّار كحزب!

وكسبيل لتوفير الفرص، بدأ يتولّد من داخل التكتّل كُتل صغيرة تدور في محوره لا وظيفة لها سوى استعراض الاحجام للتقريش في الوزارة. فمثلاً، ولدت كتلة "ضمانة الجبل" مؤلّفة من الوزير طلال أرسلان وثلاثة مسيحيين، وأخرى ذات هوية أرمَنيّة، ثمّ يتوقّع أن تُولّد أخرى تضم المستقلين أو بعضهم الممثلين لبعض الدوائر، على أن تبقى الكتلة الحزبيّة الصرفة مختلفة ومتميّزة.

وعلى هذا المنوال، يَطبخ التيّار مجلساً وزاريّاً قد يتجاوز الثلاثين وزيراً بعدما أدخلَ عناصر طائفيّة ممثلة لديه في بازار التمثيل الوزاري، ليس من شيء سوى كسب المزيد من المواقع، إذ تروّج أوساطه أنه سيعمل على تمثيل العلويين بمقعد، لكن الحقيقة المضمرة تتضح حين يقرأ هذا العرف الجديد من زاوية "توزيع الأدوار" بين الرئيس، التيّار والتكتّل ليكون هدفه التمثل بأعلى نسبة مقاعد تطبيقاً لوجهة النظر القائلة أن حكومة العهد الأولى هي حكومة ما بعد الانتخابات، لتصبح تالياً حكومة حكم يسعى كبارها إلى جرّها في مصلحتهم.

وهنا، تصبح فرضيّة "الاطباق على المقاعد" شرعيّة نظراً لما يدفع صوبه وإستناداً إلى ما يروّج.

يتحسّر سياسي على الزمن البائد يومَ كان ينادي البرتقاليون بحصة وازنة في الحكومة انعكاساً لتمثيلهم في المجلس، لا بل يتحسّر على زمن الثنائيّات يوم طالبَ التيّار بحصّة له ولرئاسة الجمهوريّة كثمرة من ثمرات التسويّة الرئاسيّة.

"نخشى على التيّار الوطني الحرّ من السلطة ولا نخشى منه" يقول أحد السياسيين في مجالسه الخاصة منوهاً لزواره بأن السلطة التي لها القدرة على أكل الالتزامات والقواعد والوعود، لها القدرة أيضاً على التفريض بالصداقات لا بل بالمواقع والسياسات" ناصحاً الفريق البرتقالي أن "يحفظ خط الرجعة، لأن غداً ليس كمثل اليوم".