"ليبانون ديبايت" - المحرّر السياسي

ثمة مقولة رائجة في الوجدان القروي اللبناني، أن الفتى حين تنبت له الشعرة الأولى عند موضع شاربيه ويتحسّسها بيديه ويشعر أن صوته "تَخن"، يظنّ نفسه أصبحَ رجلاً، فينزل على ساحة القريّة منتفخَ الصدر ليملأ الأرض زعيقاً. هدفه من ذلك لفت النظر إليه. وفي رأي هذا الوجدان، يكون هذا البرعم قد كبر ونشأ، كبر كثيراً أكثر من إخوته، كبر حتى أكثر مما يخال نفسه، عند هذا الحد من الثقة بالنفس، يصبح من المستحيل إقناع الفتى أنه برعماً وأمامه وقت طويل ليصبح رجلاً ناطجاً.

لقد بلغ عدد النوّاب السنة الذين فازوا في الانتخابات النيابيّة الأخيرة من خارج عباءة تيّار المستقبل 10 انقسموا بين وسطيين ومستقلّين لكن الحصة الأبرز منهم ذهبت لنصيب فريق 8 آذار الذي نالَ 7 مقاعد سُنّية صافية.

وفي حين أنه نجح في ترجمة النسبيّة مقاعد لصالحه، يبدو صعباً عليه تقريش ما ناله وزاريّاً أو حتى تكوين جبهة معارضة سُنّية واحدة متراصّة تتألّف من النواب الـ 7.

بات لزاماً على فريق 8 آذار أن يجد حلاً لمعضلة غياب الكيمياء بين عدد لا بأس به من النواب السُنّة المحسوبين عليه. فعلى الرغم من مرور شهر تقريباً على صدور نتائج الانتخابات، لم يُسجّل حتى ساعته أن التأم هؤلاء النواب في اجتماع واحد شامل، فاقتصرت الاجتماعات على لقاءات ثُنائيّة محدودة، وهو ما انعكسَ سخطاً لدى محسوبين على الفريق. فبينما كانوا يتحسّبون خيراً بأمس بات لسانُ حالهم اليوم: "خليها لربك.. صار بدا ليلة قدر".

ويأخذ مراقبون محسوبون على الفريق، أن النواب السُنّة الفائزون لم يلتقوا للبحث في تشكيل تكتل أو اقلّه حلف نيابي يتألّف منهم ويترجم انتصارهم ويزيدهم قوّة مجلِسيّه، أو اجتمعوا ليبحثوا قضايا مشتركة، وهو أمر يدل على تباعد وبرودة تسود علاقتهم بين بعضهم.

لكن أكثر من يؤخذ عليهم هو عدم التقائهم من أجل البحث عن نائب منهم يتفقون على تسميته ليمثلهم بحقيبة وزارية على طاولة الحكومة قيد التشكّل، بل أنهم لجأوا الى التنافر وطرح أسماء تصلح للمضاربة وترك تيّار المستقبل يستفرد فيهم.

ويجوز القول في هذا المقام أن ثمة عوامل تدفع صوب عدم الالتقاء لعل أبرزها الاختلاف على مقاربة الوضع الراهن بحيث أن جزءاً منهم يريد أن يأخذ لنفسه دوراً وسطياً على الرغم من إنصباغه حتى النخاع بخطاب ورؤى 8 آذار، وأخرى سببها رفع الفيتويات المتبادل بين الشخصيات على نحوٍ أزال إمكانية الجمع وأرسى مبدأ القسمة.

ويتردّد في صالونات سياسية ضيقة محسوبة على الفريق، أن طرح التوزير دخل عامل شرذمة على الفريق. وتقول المصادر أن السبب في ذلك يعود لـ "توفر نيّات لدى عدد من نواب الفريق (8 آذار) بالتوزير، وهو ما خلق تباعداً بينهم لامس حدود التنافس".

وتذكر المصادر هنا كيف أن النائب عبد الرحيم مراد فتح خطوط الاتصال مع الرئيس المكلّف سعد الحريري عارضاً توزير نجله حسن كترجمة لحصة السُنّة من خارج تيّار المستقبل في وقتٍ كان فريقه السياسي (8 آذار) يروّج ويطرح توزير النائب فيصل كرامي بعد تثبيته ضمن تكتّل نيابي يتألّف من 7 نواب بينهم 2 سنّة! ما اعتبر صفعة وجهت للفريق من بيت أبيه.

ويحسب هؤلاء أن دخول مراد طرفاً مضارباً يأتي من باب "المزاحمة" التي "لن تؤدّي إلّا إلى تطيير احتمال توزير سُنيّ" من الفريق المناوئ للحريري، ما جعلهم يظنّنون أن خطوة مراد تكاد تكون "منسّقة لهذا الغرض".

وتضيف أن النواب الآخرين كـ أسامة سعد وعدنان طرابلسي وجهاد الصمد، تمايزوا في المواقف بينهم الى حدٍ صورهم وكأنهم غير منضوين ضمن نفس الفريق.

وأمام هذه النماذج يعتبر الرئيس المكلف سعد الحريري هو المستفيد من التشتت بعدما رفع تياره فيتو بوجه توزير أي سني من خارج الكتلة الزرقاء.

عند هذا الحد يعول على تحرك ما يقوم به حزب الله الكافل للعلاقة بين الأخوة من أجل وصل المقطوع وتبديد ظاهرة التشرذم التي تعني خسارةً ولو أن الأشخاص فازوا بالمقاعد النيابية.

يصبح عندئذٍ أن تحسّس الشاربين في المجلس ليس بالضرورة ان يحمل ثقافة النضوج ابداً، بل يمكن له أن يحمل ما هو عكس ذلك.