"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

هناك دلائل على أن عذابات رئاسة الجمهوريّة ستكون كبيرة من اليوم حتّى انتهاء العهد، وهناك تصوّر عميق لدى جهة معنيّة أن فريقاً وازناً "ملوّناً" بدأ يتكوّن على منصّة النقيض الند للرئاسة متّخذاً صفة الاعتراض على الاداء، حتّى أن هذا التصوّر يربط في بعض جوانبه بين الداخل والخارج.

لم يكن الانتقاد الذي وجّهته بكركي لرئاسة الجمهوريّة حدثاً عابراً لكونه انطوى عن انتقادين مبرمجين اتخذا صفة التسديد المباشر صوب مرسوم التجنيس، وأتيا من خارج المألوف السائد - المتّبع في العلاقة بين الكرسي الرسولي الماروني ورئاسة الجمهوريّة وحدثا ضمن ساعات قليلة، ما دلّ على وجود حساسيّة زائدة وقطبة مخفيّة تتربّص في مكان ما.

من الواضح أن البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي رفع صوت الاعتراض على الطبقة السياسيّة منذ مدّة مستفيضاً في توجيه الانتقاد والنصيحة في آن، لكن أكثر المتشائمين لم يكن ليظن أن الانتقاد سينسحب بطريقة عنيفة على مقام رئاسة الجمهوريّة لما تتمتّع به من خصوصيّة عند بكركي. لكن الامر وقع ولكونه حصل أخذ متابعون يبحثون عن الأسباب الحقيقيّة التي تسبّبت به.

ثمّة استياء يدور في القصر وتعج به الدوائر السياسيّة بل وينقل عن ألسنة الساكنين في الصرح الأوّل، يدور حول عدم تفهّم الرئاسة الأولى للأسباب التي دفعت بموجبها البطريرك لرمي انتقاداته بهذا الشكل من بوابة مرسوم التجنيس. حتى أن الاستياء بلغَ أشدّه على شكل درجات من الامتعاض الشديد الذي حال دون سؤال المعني عن الأسباب بل أرسي شبه قطيعة بين الجهتين، ما دفع وسطاء للتدخّل سريعاً على خط المعالجة.

وفق معلومات "ليبانون ديبايت"، تحرّك أكثر من شخص نحو بكركي لمحاولة الاستفسار منها عن خلفيّات موقف الراعي المتشدّد، فلم يسعفهم بأي توضيحات سوى التماسهم اصراره الشديد على وقف مفعول المرسوم واصدار ملحق تعديلي يرعى الحالات الضروريّة فقط ويسحب الجنسيّة من غير مستحقّيها حتّى تستتبّ الامور وتُصحّح.

ما يرفع من قيمة الاستياء والامتعاض ويؤهل ليصل إلى مستوى البحث عن أسباب الاعتراض، هو تعمّد البطريرك التصويب على رئاسة الجمهوريّة عبر الاعلام والمنابر بدلاً من استخدام الأبواب التي تُخَص بها بكركي والتي يمكن لها أن تضع تحفظات ومخاوف لدى الرئيس بطريقة هادئة يمكن بحث أسبابها وإيجاد الحلول بتروّي.

تذكّر المصادر أن بكركي تمتاز بقنوات ووضعيّة خاصة في العلاقة مع بعبدا تصل مستوى وجود خط اتصال ساخن ومباشر بينهما يفعّل عند الضرورة كان يمكن أن يستخدم في تقديم الاعتراض ثمّ التوجه إلى تنفيذ اُطر عملانيّة لحل أية شوائب. والمستغرب أنه في موضوع مرسوم التجنيس جرى تجاهل وجود هذا الخط تماماً.

تذهب المصادر بعيداً في التساؤل حول أسباب هجوم البطريرك واختياره عدم استخدام الخطوط المعتمدة، وتتحدث عن أمور مشابهة كانت تحصل في عهود سابقة بين البطاركة والرؤساء، وكانت مهما بلغت درجات تأزيم، يصار إلى الحل بعيداً عن الاعلام عبر بعث رسول يفتح خطوط الاتصال أو يكلّف بتناول الموضوع أو اللجوء في الحالات القصوى إلى زيارة رعويّة يقوم بها سيّد الكنيسة إلى سيّد القصر أو العكس. ويصار عندها إلى حلّ الأمور العالقة، ثمّ يأتي الاعلام بعد ذلك للحديث عنها، وهو ما اختلف تماماً عن الواقعة المثارة حالياً.

يصبح الاستغراب منطقيّاً أكثر، إذ يلفت هؤلاء الانتباه إلى أن موضوع مرسوم التجنيس صحيح أن الرئيس معني مباشرةً به ويندرج من ضمن صلاحياته، لكنه ليس هو من يقوم بإعداد مسودة المرسوم بل يوقع ويبدي موافقة. معنى ذلك أن الأصح سؤال من هم خلف اعداد المرسوم من رئاسة الوزراء إلى وزارة الداخليّة فلا يجوز رمي المسؤوليّة على عاتق جهة واحدة.

ثمّة من يشير إلى وجود قطب مخفيّة عديدة وراء هذا التشدّد الذي عبّرت عنه بكركي، إذ تلمّح في احداها إلى أن جهات محسوبة على الرئاسة لم تأخذ بعين الاعتبار طلبات تقدمت بها على سبيل المثال المؤسّسة المارونيّة للانتشار بعد نشر المرسوم تتضمن رفع اسماء لمستحقين للجنسيّة دون أن يعار الاقتراح أي اهتمام. لكن أخطر ما تلفت اليه أوساط هو تزامن تسديد البطريرك لضرباته مع معلومات متوفرة لدى الرئاسة حول وجود نيّة سعوديّة منسّقة مع شخصيات مسيحيّة في الداخل لتطويق وارباك العهد وفرض شروط عليه، مبديةً خشية من احتمال وجود ربط بين الامرين.