Beirut
16°
|
Homepage
في عيد الأب ... يَتيمٌ بِمَفعولٍ رَجعيٍّ
روني الفا | المصدر: ليبانون ديبايت | الاثنين 18 حزيران 2018 - 9:16

"ليبانون ديبايت" - روني ألفا:

تبّلغنا خبرَ وَفاة والِدي البالِغِ من العمرِ يَومَذاك أربَعينَ عاماً، مِن بحّارٍ على متن السفينَةِ التي أقلت أبي من طرطوس إلى جونيه جُثماناً في صندوقٍ خشبي.
كنتُ في الثالثةَ عشْرَةَ من العمرِ ولَم أستطِعْ يومذاك تفهُّمَ حقيقةِ الموقف.

ما كانَ بِمَقدوري، تَخَيُّلَ حياتي من دونِ أبي على الأريكَةِ أو في غرفةِ نَومِهِ أو على بابِ البيتِ يهمُّ بالدّخولِ، وأّذكرُ بأني طلبتُ مِن أكثرَ من قدّيسٍ وتشفّعتُ لأكثَرَ من طوباويٍ، بأن يعيدوا إحياءَهُ دونَ أن يصلَ طَلبي إلى مَسامِعِهم.


كانَ والِدي مليئاً بالحَياة، نشيطاً، مثقفاً، أنيقاً، مفرِطاً في التفاؤل، مُقبِلاً بشهيَّةٍ على الحياة، مُحِبّاً بِشَغَفٍ للناس، مَوهوباً في عقدِ الصداقات...

كانَ أبي نِسراً متهوّراً في خَيالِه، بَهيّاً في قلبِهِ، قويّاً في إرادَتِهِ،كَريماً في عطائِهِ مُمالِحاً لأصدِقائِهِ، مغامِراً في خَياراتِهِ وسميراً لكلِّ عابِرِ سبيل.

أعترِفُ أني لَم أكُن معتاداً على مُجاورَةِ الموت، ولا عَلى جيرَتِهِ، ولَم يكن قد شرَّفَنا هذا الزّائِرُ الثقيلُ بأي زيارَةٍ حَميمَة ، ولا حَدثَ أن طلبَ مرّةً مَوعِداً لمُقابَلَتِنا، فالموتُ كانَ دائِماً موتَ الآخَرينْ، وشأنَ الآخَرينْ، وحزنَ الآخَرين، أما نحنُ فكنتُ أظنُّ أننا لَم نكن مَعنيّينَ بِهِ، وأنهُ كانَ يَخافُ مِنّا، ولذلكَ لَم أكُن حاضِراً لتقبّل زيارَتِهِ إلى بيتِنا.

كانَ أبي نشيطاً، وكنتُ أنتظِرُهُ بِفارِغِ الصبرِ لأتباهَى بِهِندامِه وأناقَتِهِ أمامَ رِفاقي في المدرسَةِ فأتقمّصُ بِوجودِه شخصيَّةَ شمشونَ الذي لا يُقهَر!

اكتشفتُ في سِنٍّ مُبكِرَةٍ جِدّاً أن الناسَ يموتون، وعندما يَموتونَ يَكونُ ذلكَ مرّةً واحِدَةً وأخيرَةً وأن لا عودَةَ عن الموت، وأننا متى مُتنا لا نستَطيعُ أن نُعيدَ النّظَرَ بِمَوتِنا وأن نتراجَعَ عنهُ أو أن نؤجِّلَهُ أو أن نتفاوَضَ معهُ على مَوعِدٍ لاحِقْ.

يلاحِقُني موتُ أبي منذُ اثنينَ وأربعينَ سنةً وقد أنَفتُ على السادِسَةَ والخمسين دونَ أن أتصالَحَ مع موتِهِ ودونَ أن يطيبَ الجُرحُ الذي أحدَثَهُ موتُهُ المبكِرُ.
أشعرُ اليومَ بأني يتيمٌ بِمفعولٍ رَجعي، يتيمٌ ما زالت دمعَتُهُ عالِقةً على متنِ الباخِرَةِ التي حَمَلَت أبي إلينا مُضرَّجاً بالنّوم، ومُمّدداً على ثلّاجَةٍ متنقِّلَة.

وفي عيدِ الأب الذي يهلُّ علينا هذه الأيام، يغمُرُني الحبُّ الذي لَم ينضَب، والشوقُ الذي لَم يَكِلّْ،إلى الرّجلِ الذي كانَ وما زالَ فَخري وعِزّتِي ورِفعَةَ جَبيني، إلى هذا الحَبيب إلذي دفَنتُ مَعهُ طفولَتي وأحلامي، إليهِ أتقدّمُ، طِفلاً مِن ثلاثَ عشرَةَ سنةُ بباقَةٍ ودَدتُ لَو أسلِّمُها لَهُ، وبسببِ سَفَرِهِ الطّويل قرّرتُ أن أسلِّمَها لِصورَتِهِ الأنيقَةِ المتربِّعَةِ في بيتِنا الصّغيرِ وفي الضمير. كلُّ عيدِ أبٍ وأبي بألفِ خير....
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
"الإتفاق حصل"... بو صعب سيبلغ بري بهذا الأمر! 9 مرة جديدة... الجيش الإسرائيلي يستهدف بعلبك! (فيديو) 5 طائرة تهبط في مطار بيروت وعليها عبارة "تل أبيب"! 1
"إنجاز هائل" لحزب الله... إعلام إسرائيلي يكشف! 10 رواتب القطاع العام في خطر هذا الشهر! 6 صوت قوي "يوقظ" سكان الجديدة... ماذا حصل عند "ABDO"؟! (فيديو) 2
نائب يودّع العزوبية بعد أسابيع! 11 عملية للحزب في عمق اسرائيل... صقور متفجرة تدك القاعدة العسكرية الأكبر! 7 الرواية الحقيقية لـ "إنفجار دورس"! 3
"بهدف التستر"... الأقمار الصناعية تظهر ما قامت به إيران! 12 الإثنين يوم مفصلي... هل يحمل البشرى؟! 8 أرسل صوراً لـ"القبة الحديدية"... هكذا خدعت طهران جندي إسرائيلي! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر