"ليبانون ديبايت" - كريستل خليل:
عندما يسمع المواطن صوت صفارات انذار الاسعاف, يسارع إلى تسهيل مرور سياراتها ويفسح لها الطرق لاجتياز الزحمة وإنقاذ حياة مريض. هو الاحترام الذي يظهره اللبناني لهذه الفئة التي تعمل للمحافظة على الأرواح ويكن لها التقدير. لكن هناك مشهداً نقيضاً استفزازياً على الطرقات حيث تكثر مواكب حماية أمن الشخصيات، في الفترة الحالية، والتي تكمن أبسط مهامها في الحرص على أمن المواطن، تراها تزاحم وتطارد وتخالف قوانين السير متعدية على البشر والأنظمة كافة.
اغلاق طرقات بحجة اجراءات أمنية ليسلك الموكب الطريق من دون ان يضطر لتحمل معاناة زحمة السير، ضاربا بعرض الحائط أبسط مبادئ قوانين السير. وترافق مخالفات المواكب حالات هرج ومرج على الطرقات تزرع حالات خوف وذعر في صفوف السائقين. وتصل أحيانا الى حد تعدي عناصر الموكب على اي مواطن أو سائق رفض الامتثال لتجاوزات موكب النائب أو الوزير أو شخصيات دينية.
فيما يفاجئ رئيس الوزراء الايطالي جوزيبي كونتي شعبه بوصوله بسيارة أجرة إلى مكان عمله. كذلك في بريطانيا, كان رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون يتنقل عبر المترو والسكوتر. حتى بابا روما فرانسيس يحجم عن استخدام السيارات الفارهة المصفحة مفضلا ركوب سيارات بسيطة سواء في روما أو في رحلاته الخارجية. الّا شخصيات لبنان السياسية والقضائية والحزبية والأمنية والدينية, تتزايد أعداد مرافقتهم وسيارات مواكبهم كلما رفعت درجة مستوى مكانتهم.
اكثر من قرار اتخذ لسحب العناصر الإضافية المكلفة حماية بعض الشخصيات السياسية والمخالفة للأحكام الدستورية, ولتنظيم مرافقة وحماية الشخصيات أو المراجع. لكن المشكلة بحسب وصف وزير الداخلية السابق مروان شربل لـ"ليبانون ديبايت" ليست في تخفيض العدد بل بسلوكيات وأخلاقيات بعض المرافقين، واستباحتهم للقوانين, وكسر قواعد السير بحجة الحفاظ على سلامة أسيادهم.
في هذا السياق, أشار شربل الى انه على كل نائب ووزير ان يحترم قوانين السير لأن من يخطط لاغتياله لن ينتظره عند اشارة السير الحمراء. واذا مر الموكب عكس السير يمكن أن يتسبب بحادث سير ينتج عنه ضحايا من قتلى وجرحى. وحتى ان لم يحصل يكفي ان يشاهد المواطن مواكب الشخصيات تخالف ليسمح لنفسه التصرّف بالمثل تحت شعار "ليش هو بحقلو وأنا لأ؟". ودعا المسؤولين لاعطاء مثلاً صالحاً عبر احترام القانون وليس العكس, معتبرا انه لا تصنيف من حيث الصف الأول أو غيره من ناحية احترام القانون لأن هذا واجباً على الجميع مهما علا شأنه.
أما عن كبر حجم الموكب وعدد سياراته, استثنى الوزير السابق رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلس النواب من معادلة المواكب الأمنية معتبرا انه من الضروري ان تتخذ هذه الشخصيات احتياطاتها. ولأسباب أمنية واحترازية وتبعا لخطط مدروسة يمكن أن يمر أكثر من موكب لشخصية واحدة للتمويه لا أكثر. وبرر ذلك قائلا "في كل بلدان العالم هذه الأساليب متبعة اضف الى احترام القوانين, وموكب الرئيس الاميركي دونالد ترامب أكبر دليل على ذلك".
وما اذا كان هناك اقتراح قانون ينظم هذه المواكب وعناصرها من خلال دورات تدريبية خاصة لتمرينهم على البقاء تحت القانون أثناء ممارستهم مهامهم، لفت شربل الى انه هناك قانون لكن لا يطبق، واليوم في عهد مواقع التواصل والتكنولوجيا، الاعلام كفيل بكشف المخالفات المرتكبة من قبل المواكب أو العناصر وتوثيقها عبر تصويرها ونشرها أمام الرأي العام. وأسف بأن أمل الشعب في برلمان مؤلف من طبقة سياسية جديدة ما أسفر الا عن توريث من أب وعم وأخ وغيره, والعقلية في التعامل فوق القانون انتقلت الى البعض بالوراثة.
على الرغم من الفوضى، لا يخلو الامر من بعض الاستثناءات, اذ تتنقل في شوارع جبيل سيارة لنائب شاب من المدينة من دون مواكبة ولا مرافقة ولا عناصر حماية يعرقلون السير خلفها. ويترجّل منها النائب زياد الحواط ويسير بين المواطنين, لأنه وبحسب ما أشار في حديثه لـ"ليبانون ديبايت" إلى ان "الله وحده الحامي. وكما في النشاطات اليومية والعائلية, كذلك في اللقاءات الرسمية والاجتماعات السياسية والجلسات لا أحتاج لموكب ولا لعناصر حماية أمن الشخصيات".
علّق الحواط على عملية المزاحمة وبث الرعب عند مرور أي موكب قائلا "نحن من الناس وهم من انتخبونا لذا لا داعي لهكذا تصرفات. بفضلهم وصلنا وعلينا احترام القانون وعدم مخالفة قواعد السير. ومنذ ان كنت في موقعي كرئيس بلدية حتى اليوم لا تزال علاقتي بالمواطنين مباشرة وهذه الأساليب مرفوضة في التعامل معهم بفوقية".
تعمل بعض وجوه البرلمان الجديدة على كسر صورة الموكب المرعبة ونقل صورة التواضع والامتثال الى القانون بعيدا عن المظاهر والتعالي، في الوقت الذي لا يزال بعض النواب السابقين يزاحمون بسياراتهم رباعية الدفع ذات الزجاج الداكن شاهرين أسلحتهم السائقون يوميا. على أمل ان يرتقي لبنان ببعض كوادره ويفهم ان ممثل الشعب هو لخدمة الشعب لا لاستغلاله طمعا بمظاهر السلطة.
|