Beirut
16°
|
Homepage
أبحَثُ عَمَّن يطبخُني في الأمازون
روني الفا | الجمعة 24 آب 2018 - 0:00

"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

لَم تراوِدني مرَّةً في حَياتي فِكرَةُ الهجرَةِ إلى بِلادِ الله الواسِعَة، فأنا أنتمَي إلى سلالَةٍ مِن الكائِناتِ الراجِلَة المعرَّضَةِ للإنقِراضِ والتي ما زالَت تُصابُ بالقشعريرَةِ كلَّما صَدَحَ صوتُ فَيروز بالمقربَةِ مِن شرفَةِ التثاؤبِ صباحاً وكلَّما انتَصرَ فريقُ كُرَةِ السلَّةِ على نظيرِه في الزمبابوي أو نَجحَ وَحيدُ إحداها في البروفيه ولَو على الحَفَّة وَستروبيا كما يَحلو للدارِجِ المَحكي في اللُّغَةِ أن يُعبِّر.

وفي ظاهِرَةٍ غَريبَةٍ ما زلتُ أَتقصّى عَن ألغازِها الدفينَة مُفلفِشاً أوراقَ فرويد حيناً ونبؤات نوستراداموس أَحياناً أُخرى، تراوِدُني منذُ مدَّةٍ نزوةُ الهجرَةِ إلى مَجاهِلِ الأمازون لِما توفِّرهُ هذه البلادُ المأهولَةُ بفارِعِ الأشجارِ والأفاعي المجدولَةِ والمرقَطَةِ والتماسيحِ العملاقَةِ والأدغالِ التي لا بدّ أن تُصادِفَ بينَ أضلاعِها الرطِبَةِ ومسالِكِها اللَّزِجَةِ رَجلاً أمازونياً من السكان الأصليين يرحِّبُ بِكَ وقَد شطَّت رَيلَتُهُ، والفأسُ في يَدِهِ وفي نيَّتِهِ أن يطبخَكَ في طنجَرَةٍ فسيحَةٍ مَع خليطٍ مِن بهاراتٍ محليَّةٍ وحبّاتٍ مِن الفطرِ شديدِ السّمومَةِ وحفنَة من الفلفل المُشَلفِط فَيغليكَ عَلى نارٍ خَفيفَة ويحوِّلُكَ إلى وَجبَةٍ شهيَّةٍ على قائِمَةِ طَعام أمازونيَّة.


أنا أصلاً مواطِنٌ مُقطَّعٌ إلى مكَعّباتٍ صَغيرَةٍ في بَلَدي الأم، وأعدادُ الفؤوسِ التي تفنّنَت بِتَقطيعي لا تُحصَى ولا تُعَدّ، مِن فأسِ الضريبَة التي تشطُرُني شِطرَين،شطرٌ لِتسديد الرُّسوم وشطرٌ آخَر لِتسديد الغَرامات، إلى فأسِ الزحمَةِ،وفأسِ المدرسَةِ وفأسِ الجامِعَة وفأسِ البَطالَة وفأسِ التلوث إلى ما هنالِك مِن فؤوسٍ وَضّبتني مكّعَبات جاهِزَة لليأس...فأسُ اليأس يجرُّني جَرّاً إلى الأمازون علَّ فأسَ رجلِ الكَهفِ هناك يعاملُني بشيئٍ من الرِّفقِ والرأفَة.

أنا مواطِنٌ مَطبوخٌ بِصلصَة الإنتِظار،يتحرقَصُ لَحمي الحَيّْ على نارٍ خَفيفَةٍ منذُ خَمسينَ سَنَةً وتُدَوِّخُني ملعَقَةٌ خشبيَّةٌ عَملاقَةٌ دوَّخَت مَلَكوتي، فلا هيَ تأكُلُني ولا هيَ تًطفِئُ نارَي لأستَريح.
أنا مُواطِن مَهروس ومَلحوس ألفَ مرَّةٍ ليستَطيب الطُّهاةُ مِلحي ويتذَّوَقّوا حامُضي. تَعبتُ مِن تَحويلي إلى لقمَةٍ ولَحسَةٍ وبَلعَةٍ دونَ أن يطمأنني أحَدٌ بأنني سأكونَ قِدراً على مائِدَةٍ أو صَحناً في حفلَةٍ أو وجبَةً على غَداء.

يعنُّ على بالي في هذه الأيام الضّحلَةِ أن يَهرُسَني رجلُ الكَهفِ في جمهوريَة الأمازون الفاضِلَة، هناكَ على الأقلّ سأكونُ صالِحاً للإستِهلاك، ولَحمي حَلالٌ ومَذبوحٌ وفقَ الطريقَة الأمازونيَّة، فليسَ هناكَ مِن شعورٍ أكثَرُ إيلاماً مِن أن يذبَحُكَ وَطَنُكَ وَيُبقِي عَلى جزءٍ مِن وَريدِكَ ثمَّ يسمَعُ حشرجاتِكَ، وعلى أنغامِ حَشرَجاتِكَ يسحَبُ بلا مبالاة قنّينَةَ نبيذٍ معتّقَة ثمَّ يسحَبُ ببراعَةٍ فلّينَة القّنّينَة، ويصبُّ الخمرَةَ في كأسٍ من الكريستال ويشمّهُا شمَّ الخَبير في كُرومِ بوردو الفرنسيَّة ثمَّ يشرَبُ نخبَ حشرجاتِكَ بمازوخيَّةٍ أقرَبُ إلى التلذّذِ باحتِساءِ الدّماء...

أحِنُّ بينَ الفينَةِ والفَينَةِ إلى الأمازون وفي نيّتي أن أختبِرَ جرحاً أمازونيّاً جديداً علَّهُ يكونُ أقلَّ عمقاً وأكثَرَ تحمّلاً مما جنَتهُ الفؤوسُ الوطنيّةُ مِن لَحمي الطّري ومِن لحومِ الآلافِ مِن أمثالي الذينَ ما زالوا يشعرونَ بالقشعريرَةِ كلَّما صَدَحَ صوتُ فيروز على شرفاتِ تثاؤبِهِم...
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
ابن الـ 24 عاماً يُفجع زغرتا! 9 تصلّبٌ مفاجئ! 5 "الجنون" يضرب نيسان... خنيصر يتحدّث عن أمرٍ نادر ويكشف "مفاجأة"! (فيديو) 1
ابن الـ12 عاماً يروج المخدرات... ماذا جرى في إحدى مدارس لبنان؟ (فيديو) 10 بشأن تسديد الفاتورة سواء بالدولار أو الليرة... بيان من "كهرباء لبنان"! 6 سرقة أسلحة وذخائر من إحدى فصائل قوى الأمن… حاميها حراميها 2
سيناريو يهدد دولار الـ 89 ألف ليرة.. خبير اقتصادي يكشف معلومات مهمة عن الخطة المقبلة! 11 بسبب الإيجار... إقتحمت وابنها منزلاً وقتلا إثنين! (فيديو) 7 سعر ربطة الخبز إلى ارتفاع كبير... كم سيبلغ؟! 3
"القادم خطير جداً"... العريضي يتحدّث عن "زحطة" كبيرة للقوات! 12 طارد مواطن بهدف سلبه عند أنفاق المطار... هل وقعتم ضحيّة أعماله؟ 8 "حربٌ أهلية"... هذا ما تنبّأ به ماسك! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر