"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

غريبٌ أمرَ رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ورئيس التيّار الوطني الحر. الأخير يريد توزير أعضاء اللقاء التشاوري إنسجاماً مع رغبة حزب الله (وفق ما أَبلغ مؤخراً)، لكنه لا يريد أن يأتي هذا التمثيل من حصته ورئيس الجمهورية. الأول اقتنع بقطع الأنفس ضرورة تمثيل السّنة المعارضين، لكنه يميل إلى حفظ ما يرى أنها "حقوقه الوزاريّة" بمعزل عن تركيبات الحصص ما يحول دون الإفراج عن الحكومة ويعطي إنطباعاً أن كلا الجانبين يضربُ أخماساً بأسداس.

ولكي يجري تقريش الرغبات ارقاماً، ابتدع الوزير جبران باسيل سبيلاً يقضي برفع قيمة الصيغة الحكومية من 30 إلى 32 وزيراً، أي بإضافة وزيرين للاقليّات، واحد يذهب إلى الحصة الاسلامية ويكون علوياً، وآخر يُحال إلى الحصة المسيحية يفترض أن يكون إنجيلياً.

الرئيس سعد الحريري رفض بل واصرّ على رفض الصيغة مدة من الزمن، قبل أن يعقد لقائه الأخير مع باسيل ويجري بعده تسريب موافقته على الطرح معدلاً وفق قاعدة تجيير المقعد العلوي المفترض لصالح سني كتعويض لهما، دون أن يطال التغيير المقعد الإنجيلي!

التوزيع الجديد أذهب عقل عناصر الثنائي الشيعي الذين رأوا فيه إنتقاصاً من قيمة العلويين وتعدياً على مفهوم التعدّدية واسقاطاً لـ"أشياء جديدة على المعادلة"، فكان أن أوكل الرئيس نبيه بري نفسه نسف التوزيعة بعد أن مثل أمامه الحريري، ولكون بري "مفترض الطاعة" نفض الحريري أمامه اليد من الطرح وتنصّل منه، فعاد ادراجه ساعياً خلف صيغة الـ 30.

العلويون بدورهم الذين استغربوا قبل ذلك تسريب مجالس الحريري أنه "ضد اختيار وزيراً منهم"، صدموا مرة أخرى من سرعة الحريري في اللّف على الحبال واتفاقه وباسيل على حرمانهم من وزير مفترض دون أن يتراعى الطرح الجديد وحرمان الإنجيليين من المقعد المقابل وفق قاعدة المعاملة بالمثل!

أمر آخر يثير امتعاض العلويين، أن الحريري يراهم "حرف ناقص"! فلا يجوز لهم، تحت أية ذريعة، التمثل بشكل وازن وموزون داخل مؤسسات الدولة. أكثر من ذلك، ثمة في أوساطهم من يعتقد أن الحريري يأخذهم "رهائن سياسية" وما عليهم سوى تحقيق رغباته السياسيّة، كما يحصل خلال فترات الانتخابات.

أكثر من ذلك، يسري في بواطن نفوس العلويين إعتقادٌ حول وجود نيّة في تجاهل وجودهم ثم اقصائهم كنتيجة لتوزيع فئة شبهات حول لبنانيتهم. يعود السبب في ذلك إلى تعمّد سلب المقعد المقترح منهم والإبقاء على شقيقه المخصص للطائفة الإنجيلية دون أن يمسه أحد!

لقد ضاق صدر العلويين ووجدوا أن خيارات الحريري تجاههم تنم عن جهلٍ في التقدير ونيّة في استغلال مقدّراتهم، بل أن أكثر من يأخذ استغرابهم، أن الحريري لم يفهم بعد التبدلات الإقليمية الطارئة التي يعتبر العلويون أنهم أصحاب موقع متقدّم فيها ويعدّون من المنتصرين.

هذا التوصيف يصدح داخل مجالسهم، ويدفع بهم إلى التفكير في تحسين موقعهم السياسي داخل التركيبة اللبنانيّة بعد أن أصبحوا يرونه حقاً لهم، لذا لن يقبلوا بعد الآن فتات الخبز السياسي أو بقايا موائد الآخرين.

في بواطن نفوسهم، أن التوزير أضحى حقاً بمجرّد تقدّم الفريق السياسي الذين يحسبون عليه في دائرة الحكم، بمعزل عن شكل الصيغة الحكومية الجاري اتباعها فـ"مهما كانت الصيغة، يجب أن يكون لدينا ممثل في التركيبة".

هذا التطور في أداء العلويين السياسي تعكسه مصادرهم إلى رغبة منهم في تقريش حضورهم داخل المعادلة اللبنانية، بل وأن الفئة المتطرفة سياسياً منهم تعتبر أن أحد ثمار انتصار سوريا في الاقليم يعني أنهم باتوا "وزراء حكماً".

أما المصادر السياسية العلوية الرسمية، تتجاوز كلام الحريري وتذهب إلى مستويات أعلى، لتذكر أن المقربين منه يعممون في داخل مجالسهم أن توزير علوياً من حصته "أمر مرفوض"، لترد إليهم ناقلة عن مجالس أخرى، على ذات الوزن، فرضيات ومعادلات جديدة قوامها أن لا حكومة دون العلويين، وهذه قد تولّد عقدة أخرى أشد وارسخ!

عموماً فإن الأسبوع الجاري (وربما الطالع) يظهر أنه غني حكومياً، ولا يبدو أنه سينقضي قبل اتضاح آلية لها أن تنهي عقدة التوزير السني، والاعتقاد هو في العودة إلى مربع الثلاث عشرات ما دام هو الأنسب بين الطروحات المقدمة.