Beirut
16°
|
Homepage
جرمانوس يفتح معركة «تأديب المعلومات»
عبدالله قمح | الثلاثاء 09 نيسان 2019 - 0:00

ليبانون ديبايت - عبدالله قمح

من قطر، كرّرَ رئيس مجلس النوّاب مقولته المعهودة: «اعطيني قاضيّاً اعطيكَ دولة!».. الرّد أتى سريعاً من بيروت على النحو التالي: «كيف نُعطي قاضيّاً يا دولة الرّئيس لنأخذ دولة ما دامَ هناك جهاز أمني يأخذ من القضاة ولا يعطي، ويتصرّف معهم على أساس أنّهم مشاع مباح الدخول إليه ومدّ اليد عليه؟!».

المشكلة أنّ هذا الجهاز الذي يتصرّف في الأمن والقضاء وفق منطق «أنا ربّكم الأعلى»، حيث لا كلام يعلو فوق كلامه وليس ثمّة شخصاً يواجه على اعتبار أنّ الكلّ في الجيبة! فضلاً عن ذلك، الجهاز أعلاه يحتكم إلى ما لذّ وطاب من تغطية سياسيّة أفردت له مساحات من التجاوز، ومنحته القوّة والشجاعة للتصرّف بأموال المؤمنين!


لكن مهلاً، ثمّة قاضٍ خرجَ من القمقم يشهر سيفاً، مدّعياً على شعبة «المعلومات» في قوى الأمن الداخلي بجرائم «تسريب وتحوير تحقيقات أوليّة وتشويه وقائع واحتجاز أشخاص قيد التوقيف خارج المهل القانونيّة، و بجرم التمرّد على سلطته كضابطة عدليّة تعمل تحت مراقبته».

للوهلة الأولى يندفع البعض نحو السؤال التالي: «ما الذي جلبَ على مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة القاضي بيتر جرمانوس الدخول في هذه الطوشة ما دامَ يعرف مدى الاحاطة السياسيّة التي تتمتّع بها الشعبة؟ ماذا الذي يفعله جرمانوس بالضبط! هل يعلم أنّه فتح على نفسه «عش دبابير» وإنّه مقبل على ترويض «ثور هائج»؟ هل أمّنَ الدعم «من فوق»؟ أم تواترَ إليه أنّ «فوق» عقد من تحت الطاولة اتفاق للتخلي عنه؟

بعد الجلبة التي أحدثها ادعاء جرمانوس، ثمّة من سرّب إلى الإعلام خبراً مفاده عن توجّه لدى «الجميع تقريباً» بـ«كف يد جرمانوس عن المحكمة العسكريّة»، وهذا البعض طبعاً، يتحاجج بكم من التجاوزات أقدم على فعلها هذا الاخير، وإنّ «فوق» ما عادَ يستطيع التحمّل. من هنا طُرحت نظريّة أنّ «أفضل وسيلة للدفاع عند جرناموس هي الهجوم»! على هذا النحو سطّر فرمانه الأول وهو ماضٍ في الإعداد للثاني!

لكن طبعاً ومن منطق «النظريّة تقابلها نظريّة مناقضة»، ثمّة رأي مغاير في كل هذه «المعمعة»، قامَ على فكرة أنّ جرمانوس «ذاق ذرعاً» من تصرّفات «المعلومات» وتجاهلها الدائم له وصولاً إلى تجاوزه، لا بل أنّ ثمّة من أخذَ قراراً ابعد من ذلك، قضى بـ«وضع اليد» على «الاذرع الامنيّة» التي تُساعد عدّة قضاة، منهم جرناموس، تحت سقف القانون! هنا تحديداً القشّة التي قسمت ظهر البعير!

ثمّة من يشير إلى طريقة الاستخفاف في التعاطي مع المديريّة العامة لأمن الدولة، بوصفها دليلاً على ما تقدّم، بحيث أنّ قاضية مثلاً تقوم بـ«تجفيف موارد المديريّة أمنيّاً»، من خلال كف يدها عن ملفات ومنحها إلى «المعلومات»، ايضاً هنا تحضر بقوّة النظريّة المقابلة التي تتحدّث عن «قرار» بوضع اليد على القضاء إنطلاقاً من تعزيز دور «المعلومات».

أجواء القاضي جرناموس وقضاة آخرين تفصح عن شيء من هذا القبيل، حيث أنّ «المعلومات»، ماضٍ منذ فترة في الامعان بالتعدّي على صلاحيّات القضاة وسلب أخرى منهم متجاوزاً بتصرفاته الأصول القضائيّة التي تحتّم عليه الرجوع إلى القاضي في أي قرار قبل اتخاذه، وهذا الأمر تحديداً الذي أوصلَ جرمانوس إلى البدء بحملة «ردّ الاعتبار إلى القضاء».

ولعلَّ ما أجّجَ غضب جرمانوس ليس فقط الوصول إلى مرحلة «وضع اليد» على صلاحياته التي منحهُ إياها القانون «أي الإشراف على عمل الأجهزة العسكريّة»، بلّ تجنيد الإعلام في سبيل «وضع اليد» و «تصفية الخلافات»، ما حوّلَ القضاء إلى جهة «مطعون بشرعيتها» أمام الرأي العام!

اصلاً مشروع «تشوية صورة القضاء» دخل إلى الفرن منذ مدّة. ثمّة في الأمن من حسب اللحظة جيداً وباشرَ هجومه على القضاء مستغلّاً الظرف السياسي الذي أتاح فتح معركة «مكافحة الفساد».. لكن هل يجب مثلاً أنّ نُحاسب الفاسدين في القضاء بالمفرّق أم بالجملة؟ وهل يتيح مشروع «مكافحة الفساد» أنّ نُرسي ثقافات غريبة عن منطق القانون؟ قطعاً لا!

أساساً ليس أمر «فرك الدينة» محصورٌ بـ«أمن الدّولة» فقط، فـ«كانَ» تسع أخواتها وهناكَ مكانٌ للجميع.

الأمر ببساطة أنّ السّياق الجاري تطبيقه، دلّ في أكثر من مكان، عن وجود أولويّة لدى البعض، وتقاطع مصالح لدى البعض الآخر، لتنصيب «المعلومات» على عرشِ القضاء في لُبنان على جثّة المؤسّسة المريضة الآن، التي يجري التشهير بها بأبشع صورها ممكنة عبر الإعلام وعلناً، علماً أنّنا كُنّا نعلم بترهّلها قبل ذلك بأعوام! فهل درجة عادة الإصلاح أنّ تجري التحقيقات على المنابر أم على أقواسِ المحاكم؟

التبريرات «طويلة عريضة»، تبدأ من ورشة مكافحة الفساد الجاري تطبيقها في المؤسّسات القضائيّة، إلى الشغف والتغزّل بكفاءة شعبة «المعلومات»، وأصلاً هم (أي الشعبة) عرفوا مكانهم فتدّللوا.. يستثمرون في هذا النهج مقدار القوّة التي حازوا عليها، بالإضافة إلى كفاءتهم في عملهم والتاريخ الجميل الذي جرت مراكمته طيلة هذه الفترة..

ثمّة عدّة شواهد تقود إلى إدراكِ وجود رغبة في اجراء ليسَ «نفضة» بل نسف لحالة قضائيّة وبناء حالة قضائيّة جديدة على أنقاضها، تكون هذه الحالة مرتبّة ومركّبة على قياس من يهندسون لها.

الخط البياني يدلّ على كيفيّةِ «تسلّل المعلومات» وتحوّله من فرع عسكري بحت يتبع لمديريّة أكبر، إلى جهة صاحبة سلطة وقوّة وصلاحيّات غير مكتوبة تمكنهُ من تجاوز كل الاجهزة الاخرى، وطبعاً تحت شعار «الأمن بالتراضي»

الوضع السّائد الآن يؤكّد بوضوح أنّ «المعلومات» التي تمكّنت من تجاوز حضور أجهزة الأمن الأخرى بعد أكلها، تتطلّع إلى إستكمالِ إرساء ثقافة «جهاز الأمن الواحد» المشابه بصورة ما عن نظام «الحزب الواحد» عبر إخضاعِ القضاء وإرساء منطق التغيير الجذري فيه، وهنا كي لا تتداخل الأمور ببعضها، لا ندافع عن أحد!

واصلاً «المعلومات» لديها القدرة على الإخضاع ما دامت ملفّات القُضاة تتراكم بين أيديها. «المعلومات»، تعرف القاصي والداني منهم، الفاسد وغير الفاسد المرتشي وغير المرتشي، وهي في نشوة نبش قبور الفساد استغلّت اللحظة السياسيّة المناسبة لتنقض على شركاء الأمس من القُضاة وتحولهم إلى متهمين، بالشراكة مع قضاة آخرين وجدوا ضالتهم في «الشعبة».

على كل ذلك قرّر جرمانوس وربّما من خلفه «أكل المعلومات قبل أنّ يتعشوا بهم». الصراع هنا يعطي ظلالاً من الشك، لا يحمل منطق «مكافحة الفساد» بل «العودة إلى الأصول»، وعملاً بهذه القاعدة تحتّم الأصول «تقليم أظافر المعلومات» وإعادتها إلى رشدها قانونيّاً»، أي بكلمة أدق «اعادتها إلى قواعدها».. فهل سينجح جرمانوس ومن معه، أم سيوّلوا الادبار بقوة السوط السياسي؟!

انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
القضاء يهدر جهود القوى الامنية… اخلاء سبيل عصابة خطف 9 بشار بطل عمليّة نصب كبيرة في طرابلس! (صور) 5 بالفيديو: إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في برج حمود 1
بشأن تعديل قيمة رسوم المعاملات... بيانٌ من الأمن العام! 10 "النكزة الأخيرة"... منشورٌ "ناريّ" للسيّد! 6 مستجدات فصل بو صعب من التيار! 2
"التيار معجون عجن بالغش"... جعجع يستنكر! (فيديو) 11 فرنجية ليس شيطاناً والياس بو صعب خسارة كبيرة... نائب عوني يحذّر من قنبلة ستنفجر ونداء إلى بري! 7 زياد أسود يكشف خلفيات "فصل" بو صعب وعن "حضانة" باسيل: ما حدا باقي! 3
إقامة دائمة لـ "السوريين" 12 صور "تظهر" حجم الأضرار في القاعدة الإيرانية المستهدفة! 8 حافي القدمين... نائب سابق يتعرّض لسرقة "من نوع آخر"! (فيديو) 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر