ليبانون ديبايت - روني ألفا
غداً سأحملُ باقةً من شهداء. سأضعُها على مدفن البوسطا. بوسطة عين الرمانة. دأبتُ على هذه العادة كل سنة. أزورُ مدفَنَها لأتأكّدَ أننا واريناها الثَّرَى وأنَّ ذكرها سيكونُ مؤبّداً. بوسطات عدّة حاولت إشعالَ حروبنا الصغيرة منذ ١٣ نيسان ١٩٧٥. أَحَلناها كلُّها خِرضَة. بعناها قِطَع غيار لسِلمِنا الأهلي المستعمل. بوسطا نحيي قداساً سنوياً عن راحة نفسِها. مئتا ألف شهيد وعشرات آلاف المفقودين.
كلّهم دَهَسَتهم بوسطا واحدة. وطنٌ معرّضٌ لبوسطا جونيور كل يوم. الطائف عطّل المَدافِع. لكننا ما زلنا نتعرَّض للقصف. قصف مركّز حيناً ومتقطّع أحياناً أخرى. شظايا من الخطط والوعود والبيانات ما زلنا ننتزعها من لحمنا وقد تآخت معه مثل تآخي الدمعة مع مِلحِها. رمايات بالذخيرة الحية تصيبنا مع كل إستحقاق. في لبنان فقط انتخاب رئيس يستدعي التلويح ببوسطا. في لبنان فقط تشكيل حكومة يستدعي التهديد بشبح بوسطا.
سائقون وراء مقوَد البوسطا منذ ١٩٩٠حتى اليوم. تَدَهوَروا ودَهوَرونا. منذ تسعٍ وعشرينَ سنةً ونحن نعيش كل يوم بوسطا جديدة. بوسطا برفاريف من نِكِل البؤس والخوف من المستقبل. بوسطا من دون فرامِل تسير بسرعة جنونيّة فوق منحدر. كلُّنا ركّاب. لا أحزمة أمان لنا سوى التمسك بحبل الله. حروبنا الصغيرة نخترع لكل منها بوسطا. شعوبنا اللبنانية موزعة على عشرات الجمهوريات الشقيقة. وأنا في وقفة تأمُّل أمام ضريحها، وددتُ لو تدهسُنا بوسطا خلنج مزوّدة بسلاسل معدنية. "شَوبَك" يمسِّدُنا ويعدُّنا لفرن على نار حامية. فرنٌ يخرِجُنا محَمّرين بالتجربة ومقَمَّرين بالوجع.
لم أعرِف شعباً سوانا في العالم يعيدُ إنجابَ تاريخه كل يوم. شعبٌ لا ينجِبُ غَدَه. شعبٌ يشبِهُ البوسطا التي دهَسَته. شعبٌ سواده الأعظم مُجنَّط يشتَغِل خِزمتشيّاً عند أمراء الحرب. وأنا على حالي في وقفة التأمل اعترتني قشعريرة بوسطا. أسرعت الى بيتي الصغير بعد أن بلغَني أن بوسطة مكافحة الفساد وصلت الى حمولتها القصوى. بوسطا عساها لا توقظُ ...البوسطا.
|