Beirut
16°
|
Homepage
قصة «لبن العصفور» والتدبير رقم 3
عبدالله قمح | الجمعة 19 نيسان 2019 - 0:00

ليبانون ديبايت - عبدالله قمح

يستذكر أحد الضبّاط المتقاعدين حادثة حصلت معه خلال عمليّة انتشار الجيش اللبناني في الجنوب بعد حرب تمّوز عام 2006 محاولاً إسقاطها على الوضع الحالي الذي يَكثر خلاله الحديث عن حقوق العسكريين والتدبير رقم 3 كدليل يكشف نوايا البعض الذي يتعامل مع المؤسّسة العسكريّة وفق منطق الاستغلال والمواسم! يومها كيلت الوعود على المؤسّسة وما زالت، وبدل أنّ يجري تنفيذُها، يُخطّط أصحاب «العقول النيّرة» إلى سلب ما هو موجود في جعبة العسكريين!

خلال ذلك العام، بدأ الجيش عمليّة انتشار واسعة جنوب نهر الليطاني، ووقعَ الاختيار على هذا الضّابط كي يتوجّه على رأس مجموعة من العسكريين إلى بلدة حدودية للتمركز فيها. وصلَ الضابط ومن معه إلى قرية شبه مدمّرة، لا يتوفّر فيها أي مأوى يصلح لاتخاذه نقطة عسكريّة، وعلى وقع إلحاح الحاجة والضرورة اختار الضابط اللجوء إلى منزل تسكنه عائلة مؤقتاً حتّى يتم تأمين موقع!


تشاركَ الجنود وأفراد العائلة السكن لمدّة قصيرة من الزمن، ومع تأخّر الوعود بادرَ الضابط إلى القيام بخطوة شخصيّة مستفيداً من علاقة بناها مع المجلس البلدي، ونزولاً عند رغبته جرى تأمين مأوى للعسكر كان عبارة عن بناء قديم! سريعاً بدأت ورشة تجهيزه كي يتناسب وظروف الوجود المؤقّت حتّى يتم العثور على موقعٍ ثابت، وأثناء ذلك، حصل لقاء مع ضابط كبير في تلك المرحلة شغل لاحقاً منصباً جمهورياً في الدولة حاملاً معه «من وسلوى» من رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة ووعوداً بتحقيق الطلبات، كل الطلبات «حتّى لبن العصفور منجيبه».

غادر الضيف المتخم بالوعود والموعود وانتظرَ الجنود الفرج، ومنذ ذلك الحين ما زال الجنود في نفس البناء المؤقت ينتظرون لبن العصفور الموعود.. غادرّ رئيس وجاء آخر، تغيّرت قيادة وأكثر من رئيس حكومة وما زالَ العسكريون ينتظرون «اللبن المقدّس» ومتى يحضر إليهم.. حتّى كادت جدران البناء تتصدّع مع وقع الانتظار، ولم تأتِ الوعود بلبنٍ يذكر!

إنّه السيناريو الأزلي القائم على سياسة «البطش» بالجيش من قبل بعض السياسيين كلّما حانت الفرصة، بالأمس كان واليوم يتم «النهش ومص دماء روت الارض من خلال مد اليد على حقوق العسكريين تحت ذريعة «سياسة التشحيل» في ماليّة الدولة المنهارة من كثرة السرقة!

يتحدّثون اليوم عن التدبير رقم 3 ووجوب الغائه لتخفيف الضغوط عن الماليّة، كأن العلّة في الصرف والبذخ والترف والإسراف تأتي من هذا التدبير، لا منافذ الهدر المعلوم منها وغير المعلوم، من الجمارك إلى الإعفاءات الضريبيّة وصولاً للأملاك البحريّة، التي تذرّ وحدها في حال حسن التصرف معها، اموالاً تكفي لسد العجز!

البعض الذي يمكن تصنيفه ضمن خانة «الجهل»، يذهب في مقاربته للتدبير على أنّه «امتياز» تستغلّه المؤسّسة العسكريّة لصالح الترف وتحصيل الأموال الاضافيّة وإثراء الجيوب من دون أن يأخذ في الاعتبار أن هذا التدبير وجِدَ كنتيجة طبيعيّة للتقصير والاهمال السياسيين، وغياب قدرة البعض على إحلال الأمن، واللجوء الدائم إلى المؤسّسة العسكرية لتفكيك رواسب تصريحات وتصرفات بعضهم التي تتحوّل قنابل موقوتة في الشارع!

يتناسون أن التدبير رقم 3 هو عبارة عن تحصيل حقوق مكتسبة لعسكر، أوجبت عليهم السلطة السياسيّة أن يبقوا متأهّبين وتحت واجب العمل طيلة 24 ساعة على 7 ايام متواصلة، من دون أن يكون لهم أي دوام كسائر موظّفي الدولة، لا بل إن مهاماً اخرى رميت على عاتقهم هي أصلاً من واجبات قوى الأمن الداخلي.. فما علاقة الجيش بمكافحة السرقة وتجارة المخدّرات والبحث عن المطلوبين والتدقيق بالسيارات وحتى المساهمة في تنظيف القلاع؟

قيادة الجيش التي اكتوت بنار السياسيين، لا مشكلة لديها في إلغاء التدبير في حال اقترن ذلك بتأمين حقوق بدل الخدمة ونفض الغبار عن «الأوضاع الاستثنائية التي تمرّ فيها البلاد»، لكن مقابل ذلك، على هذه القيادة أن تتعامل مع أفراد الجيش على أنهم موظفين فى الدولة لا «جوارٍ» أو «عبيد» عندها.

هذا طبعاً تترتب عنه حقوق وإجراءات يجب إتمامها قبل الالغاء، تبدأ بتحديد دوامات العسكريين فى الخدمة وبالتالي إسقاط صفة دوام عمل الـ24/7، مع الأخذ في الاعتبار «الساعات الاضافيّة» التي تفرضها الظروف الاستثنائيّة الطارئة وصوغ طريقة تؤمّن بدل خدمة اضافي، ثمّ إعادتهم إلى الثّكنات وحصر مهامهم العسكريّة في تأمين الحدود ورد أي اعتداء، وظيفة الجيش الطبيعية.

الجميع يعلم، وعلى رأسهم السياسيين، أنّ إلغاء التدبير رقم 3 يترتّب عنه خفض نسبة الجهوزيّة في الداخل، وتراجع تأدية الجيش لمهام الأمن الداخلي وتركها إلى أصحاب الاختصاص، والخروج من الشوارع إلى الثّكنات.. السؤال: هل هناك «اكتفاء أمني» حتى يكون الفريق السياسي مستعداً للتخلّي عن دور الجيش؟

على هذا النحو، هل تتحمّل الدولة الفراغ الناتج عن هذا التحوّل في ظل التحذيرات الدوليّة المتنامية من الخطر الإرهابي المتأتّي من خارج الحدود، واحتمال تسرّب الإرهابيين من مناطق وجودهم في دول الجوار؟ هل تتكفّل الدولة بأمور الأمن الداخلي من دون الاستعانة بالجيش؟ هل لديها القدرة على ضبط الحالة الأمنيّة الناتجة عن طفرات النازحين؟ تسأل مصادر متابعة من باب الحيطة والحذر!
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
تحذيرٌ "عاجل" من اليوم "الحارق" المُرتقب... وهؤلاء عرضة للخطر! 9 صدمةٌ بين الأهالي... بلدة لبنانية تستفيق على مأساة! (صورة) 5 يخضع منذ الصباح للتحقيق... والتهمة صادمة! 1
اسرائيل تحضّر لـ "اقتحام برّي" في الجنوب والجولان! 10 هذا ما يحصل متنياً 6 "رسائل خطيرة على الهواتف"... وتحذير جدّي إلى المواطنين! 2
أسعارٌ جديدة للمحروقات! 11 بعد فصل طالبة لبنانية من جامعة أميركية... دعوةٌ من إعلامي لبناني! (فيديو) 7 "إجتياح من نوع آخر" لمدينة لبنانية! 3
ممارسات إسرائيلية تشكّل تهديداً لمطار بيروت! 12 المهندس "أبو علي" ضحيّة جديدة للإعتداءات الإسرائيلية! 8 "الثمن مُكلف جدًا"... لافتة تُثير الإستغراب في الغبيري! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر