Beirut
16°
|
Homepage
قصة قسائم محروقات العسكريين
ميشال نصر | الاثنين 06 أيار 2019 - 0:21

ليبانون ديبايت - ميشال نصر

لا شك ان الاسبوع الماضي، وعلى ما يبدو الطالع، اكدا بما لا يقبل الجدل ان المؤسسة العسكرية والامنية اللبنانية تشكل ركيزة اجتماعية - اقتصادية اساسية في الحياة الوطنية اللبنانية، نتيجة الدور الذي تلعبه تلك الطبقة في تحفيز الدورة الاقتصادية والمالية في البلد، حيث ان الكتلة النقدية للاعتمادات المخصصة لرواتب العسكريين، كما باقي الموظفين في القطاعين العام والخاص، تشكل عصب الدورة المالية في السوق اللبناني، اقله منذ التسعينات وحتى اليوم، بعد الركود الذي اصاب الاقتصاد اللبناني نتيجة الازمات المتلاحقة وارتفاع الدين العام وخدمته.

ووفقا لهذه القاعدة يشكل متقاعدو القطاع العام وفي طليعتهم العسكريون، أحد أبرز محركات ومحفزات تلك الدورة، ما حولهم الى وقود مشتعلة في حملة الاحتجاجات المتصاعدة، دفاعا عن حقوقهم بداية وحقوق رفيق، فرض عليه ان يكون "الصامت الاكبر" المنتشي بتلك الصفة التي لازمته منذ ايام الحرب، من جهة، ودفاعا غير مباشر عن باقي موظفي القطاع العام، بعدما وصلت "موس" نزلاء مجلس الوزراء، من "امراء الحرب" اللبنانية الى الاعناق، حيث كان لا بد للانتفاض وللأقدام ان تقول كلمتها.


صحيح ان للكثيرين مآخذ وتعليقات، حول الازمة الحالية التي نعيشها، حيث وجهت السهام سواء عن قصد او غير قصد لتطال بقسمها الاكبر المؤسسة العسكرية، ملحقة ظلما كبيرا بغالبية افرادها، مصورة الامر على انه مواجهة مفتوحة بين "المرقط" وباقي ادارات الدولة ومؤسساتها، وهو امر غير دقيق لا يمت الى الواقع بصلة. فما يصيب العسكريين يصيب الموظفين والعكس صحيح. من هنا الزامية التشديد على ان المعركة اليوم هي معركة لإنقاذ ما تبقى من دولة، تناوب الجميع على "حلبها"، منذ ان وصفها الرئيس الراحل الياس الهراوي بالبقرة الحلوب.

ومن متممات الحملة التي يتعرض لها الجيش، من الحديث المتصاعد عن التدبير رقم 3 مرورا بالمخصصات السرية وصولا الى انواع التعويضات التي يتقاضها العسكريون، برزت الى الواجهة مسالة قسائم المحروقات التي توزع على المستحقين من العسكريين وفقا لما تنص عليه القوانين. فما قصة هذا "التقليد" الذي يعود الى زمن الستينيات؟

تبين مراجعة الوثائق الخاصة بالدولة اللبنانية انه عام 1968 ابان تولي الرئيس حسين العويني رئاسة الحكومة، اتخذت الاخيرة قرارا بمنح الموظفين المدنيين من الفئات الاولى والثانية والثالثة، درجتان مستحقتان على الراتب، دون ان يطال هذا الاجراء العسكريين اسوةً بالمدنيين كما جرت العادة، ما دفع بقائد الجيش يومها العماد اميل بستاني الى الاحتجاج لدى العويني الذي أبلغه بان المالية العامة لا تتحمل كلفة منح العسكريين الدرجتين لعدم توفر الاعتمادات، حيث تم الاتفاق على اعطاء الضباط في الخدمة الفعلية والمتقاعدين قسائم محروقات توازي الدرجتين كتعويض مواز، وكان سعر صفيحة البنزين يومها ست ليرات. امر استمر الى يومنا هذا. علما ان مجلس شورى الدولة أصدر حينها قراراً مشروطاً يقضي بعدم منح الضباط قسائم محروقات شرط ان تدفع وزارة المال قيمة الدرجتين بمفعول رجعي مع الفوائد منذ عام 1968. قرار بقي حبر على ورق.

غير ان العمل بقرار منح القسائم ظل ساري المفعول، حتى بعد استلام العماد ابراهيم طنوس قيادة الجيش، هو المعروف بسياسة التقشف التي اعتمدها. بل ان الاخير عمد الى رفع عددها المخصص للمستحقين من 17.5 صفيحة بنزين الى 25، معتبرا انها تمثل البدل المادي للدرجتين التي حرم منها العسكريون.

في عام 1992 ومع تولي الرئيس فؤاد السنيورة وزارة الدولة للشؤون المالية، حاول وقف العمل بالقسائم مجريا دراسة مالية لكلفة تطبيق قرار مجلس الشورى لعام 1968 حيث تبين ان المبالغ المستحقة للعسكريين منذ ذلك التاريخ كبيرة جدا تعجز وزارة المالية عن تحملها، متقدما بشكوى امام مجلس شورى الدولة ضد قيادة الجيش، دون ان يؤدي ذلك الى اي نتيجة واستمرار الوضع على ما هو عليه حتى الساعة.

على هذا الصعيد تجدر الاشارة الى امرين اساسيين: الاول، نجاح وزارة الدفاع الوطني خلال السنتين الاخيرتين بخفض كلفة الفاتورة النفطية للجيش بنسبة 20%، نتيجة قرارها بوقف التعامل مع احدى الشركات الخاصة باستيراد المحروقات، والطلب الى الجهة المختصة في القطاع العام استقدام المحروقات لصالح المؤسسة العسكرية ما حقق وفرا كبيرا. اما الثاني، فهو قيام قيادة الجيش بتوزيع فائض المازوت على العسكريين المتأهلين من مختلف الرتب على دفعتين، مساهمة بذلك في التخفيف من الاعباء المعيشية المترتبة على العسكريين.

هذه هي قصة ابريق زيت المحروقات في الجيش، التي بدأت منذ عام 1968 كتسوية مؤقتة نظرا لعجز الخزينة اللبنانية، لتتحول اليوم بدورها الى معضلة مطلوب الغائها لنفس الحجة.

فهل المطلوب اليوم بعد 50 عاما تنفيذ قرارات، ادلى مجلس شورى الدولة بمطالعاته حولها، من خلال التلاعب والتشاطر، والاكيد بالنسبة لضباط الجيش يبقى الافضل العودة الى قرار الشورى، فهل ثمة من يجرؤ؟ انها لعنة التاريخ الذي يعيد نفسه في هذا البلد، بشرا واحداثا.
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
"القادم خطير جداً"... العريضي يتحدّث عن "زحطة" كبيرة للقوات! 9 حقيقة الخلاف بين باسيل وبعض نواب كتلته! 5 "الجنون" يضرب نيسان... خنيصر يتحدّث عن أمرٍ نادر ويكشف "مفاجأة"! (فيديو) 1
"مؤشر إيجابي"... خطوات "عملية" هامّة في ملف النزوح السوري! 10 تشريح عقل جنبلاط وكشف ما في داخله... "دمار وخراب بانتظار اللبنانيين"! 6 سعر ربطة الخبز إلى ارتفاع كبير... كم سيبلغ؟! 2
الأمور لم تعد تحتمل... "الخطر" يُحيط بـ "بلدة شمالية"! 11 خرج من الأنفاق... السنوار يتفقد غزة (صور) 7 سيناريو يهدد دولار الـ 89 ألف ليرة.. خبير اقتصادي يكشف عن الخطة المقبلة! 3
طائرة تهبط في مطار بيروت وعليها عبارة "تل أبيب"! 12 ابن الـ12 عاماً يروج المخدرات... ماذا جرى في إحدى مدارس لبنان؟ (فيديو) 8 بشأن تسديد الفاتورة سواء بالدولار أو الليرة... بيان من "كهرباء لبنان"! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر