Beirut
16°
|
Homepage
التوطين مقابل الدَّين
عبدالله قمح | الخميس 23 أيار 2019 - 0:00

ليبانون ديبايت - عبدالله قمح

الحركة المكوكيّة صعوداً وهبوطاً لمساعد وزير الخارجيّة الأميركي لشؤون الشّرق الأدنى ديفيد ساترفيلد إلى بيروت ملفتة، خاصةً عند التدقيق في التبدّلات الواضحة التي طرأت على الخططِ الموضوعة في مجال ترسيم الحدود البريّة والبحريّة جنوباً التي كان يحملها، من سلبيّة إلى إيجابيّة «تقريباً».. ما يحمل على التدقيق، سرعة سريان مفعول التّبدل ضمن حدود الفترة القصيرة جداً.

حين حضرَ ساترفيلد إلى بيروت في الشتاء الماضي، كان يحمل معهُ عرضاً لترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل قام مبدئيّاً على «خطّة هوف» (تقاسم منطقة الـ ٨٦٠ كلم، ٦٠% للبنان و ٤٠% لإسرائيل) ما رفضه لبنان الرّسمي. حينها ينقل انّ الدبلوماسي الأميركي كان يسوّق لفكرة «خذها أو اتركها» بمعنى أن لا يفوّت لبنان الفرصة، وقد عرضها أمام رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي الذي لم يبخل على الضيف الأميركي برد ليس أقل شدّة.


خلال تلك الفترة، أدركَ الفريق السّياسي العميق في بيروت، أن الإدارة الأميركيّة ذاهبة نحو تمكين تل أبيب من تشديد ضغوطاتها على بيروت، وتغطية مد يدها على المياه اللبنانيّة من قبيل ترسيم أحادي غير خاضع لميزان الوساطة، وبناءً عليه بدأ يعد نفسه لإحتمال حصول هذا التطوّر وما قد ينتج عنه، ثم انّ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله كان شديدَ الوضوح حين أخبرَ من يعنيهم الأمر، جملة ثوابت لبنانيّة لناحية حفظ حقوق لبنان في البرّ والبحر.

وخلال تلك الفترة ايضاً، برزت وجهة نظر لدى جانب من الفريق الحاكم الممثّل داخل الحُكومة، تقومُ على فكرة القبول بجزء من ما يطرحه ساترفيلد، ومن جملتهِ فصل الترسيم بين البرّ والبحر، وكان أرباب هذا الطرح هما رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ووزير الخارجيّة جبران باسيل، لكنّ الفريق الآخر شديد التّنسيق مع حزب الله، كان له رأي مختلف تماماً، ثم أنّ الحزب تكفّل برسم حدود التعديل على موقف باسيل، ما كان له في النهايةأن وحّد الموقف الرّسمي.

الخُلاصة أنّه وأمام التشدّد اللُّبناني وبروز تطوّرات عميقة في الإقليم بين الولايات المتّحدة وإيران، إلى جانبِ تحديد الإدارة الأميركيّة لموعد طرح «صفقة القرن»، كان لا بدَّ للمستوى السّياسي الأميركي المهتم بموضوع ترسيم الحدود، أن يجري تبدلاً في مواقفه، فسّر من خلال التعديل الذي أدخلَ على جولة ساترفيلد، من مسوّق لفكرة «take it or leave it» إلى وسيط سجّلَ مرونة خلال آخر زيارة، مبدياً استعداداً لقيادة وساطة ترسيم حدود بين الجانبين.

ثم انّ هذا الموقف، ترافق مع متغيّرات أميركيّة في شكل حضور وحركة دبلوماسيتها في بيروت، وبين الزيارتين، سُجّلت تحرّكات للسفيرة إليزابيث ريتشارد إلى كل من وزارة الخارجيّة وقصر بعبدا، علماً انّ التدقيق في الفترة الماضية، سجّلَ إنكفاءاً دبلوماسيّاً أميركيّاً ملحوظاً عن زيارة القصر، ففسّرَ الأمر ضمن إطار التبدّل.

وقد واكبَ هذه التغيرات في السّلوك السّياسي، ارتفاعاً في درجة الإهتمام الغربي بكوارث وأزمات لبنان الماليّة، في ظل إبداء أكثر من دولة أوروبيّة إهتماماً ملحوظاً في إسراع لبنان نحو الإستفادة من أموال «سيدر» تجاوزت مستويات التمني وصولاً إلى الحث، وهو أمر غاية في الإنتباه أن تستجدي دولاً دولة أخرى الإسراع في سحب أموال مصنّفة ضمن خانة الدين!

الجميع يعلم أنّ مشكلة لبنان الإقتصاديّة، ليس من المتوقّع أن تحلها «أموال سيدر»، التي وعلى ذمّة خبراء، تُساعد في الإصلاح والتطوير ضمن هامش ضيّق، أما البعض المتشدّد فيرى أنّها عبارة عن «جرعة لتأخير الإنهيار الواقع دون أدنى شك»، حتى انّ هؤلاء يعتقدون انّ مسارعة واشنطن نحو إيجاد حلول لموضوع الترسيم، ما قد يفرج عن هامش محدّد يتيح للبنان إستخراج ثروات، لا يرتبط بعمليّة إنقاذ شاملة للإقتصاد بقدر ما هو «مساعدة سياسيّة» يُبنى عليها لاحقاً.

لدى الفريق السّياسي العميق، مدلولات إلى وجود مشاريع لدى الدُّول الغربية في إنهاءِ مشاكل لبنان الإقتصاديّة مختلفة عمّا يطرح في العلن، ووفق رأي هؤلاء النابع من ما يصلهم عن تلك الدُّول، أن الحل لا يقومُ على موضوع الغاز أو النفط بسبب وضعيّة لبنان المشابهة لوضعيّة العراق، الذي رغم إمتلاكه الثروات لا يستفيد منها، بل في موضوع تسديد ديون لبنان أو إعفائه من قسم منها.

وعلى ذمّة هذا الرأي، فإن تسديد الدين هو الحدث الذي قد يُعزّز الإقتصاد اللُّبناني وليس أي شيء آخر بسبب قدرتهِ السريعة على إنتشال البلاد، والتي لا تتوفّر بالغاز أو النفط رغم أهميتهما، لكن الخطير يكمنُ في شروط تسديد هذا الدين، وانّ كانت ستزيح عن كاهل لبنان أزمة لكنّها ستولّد من خلفها أزمات.

ليس هناك من يخفي، أنّه وفي ظل سلوك «صفقة القرن» طريقها، فإنها سترخي على لبنان ثقلاً يتمثل بإسقاط حق العودة، وبالتالي يُصبح على لبنان واجب توطين الفلسطينيين المقدّرين بنحو ٥٠٠ ألف شخص، وما قد يدفع إلى هذا التصوّر، انّ دولاً أخرى متاخمة للبنان ستقدم على الأمر نفسه لقاء مكرومات.

الحديث يدورُ الآن في بعض الغرف المُغلقة، حول وجود عروض للتوطين لقاء تسديد ديون لبنان عند بلوغ الرؤية مداها في «صفقة القرن»، وطبعاً يتقدّم هذا الطلب اغراءات مشجّعة تخلو تقريباً من الشروط السياسيّة في أوّل الطريق، ومعلوم انّ هذه الشروط سأتي لاحقاً، وهذا الجو نابع من آخر مشابه يجري إغواء الأردن به.

ودخلَ نفس الفريق السّياسي العميق، إعتقاد بات راسخاً، انّ لبنان وكلّما إبتعد عن تأييد فكرة «التوطين لقاء تسديد الديون»، عليه انّ يتحمّل الضغوطات وإشاعة أجواء الانهيار، وبالتالي نكون أمام موجات إقتصاديّة هائلة سيرزح تحتها الإقتصاد اللبناني الهش، وصولاً إلى دفعه لـ«رفع العشرة».

لكن وقبل ذلك، تحاول واشنطن أن تُرينا وجهاً ناعماً يخلو من الخشونة من خلال القبول بوساطة ترسيم الحدود، يعتقد البعض أنها «دفعة على الحساب» سيكون ردّ ثمنها مكلفاً، في حال لم يهيئ المستوى السياسي نفسه لعاصفة إعلان «صفقة القرن».


تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
"سوريا الثورة" تثير البلبلة في البترون! (صور) 9 الحزن يخيم على عائلة الحريري! 5 بو صعب خارج "التيّار" رسميًا! 1
إنتشار عسكري "غربي" في لبنان وحشود إيرانية وروسية وصلت.. عماد رزق: بيروت ستقصف وحرب التحرير بدأت! 10 "رح نحمي بيوتنا" و"الله أكبر سوريا"... غضبٌ عارمٌ وثورة سورية قريباً في البترون! 6 الحقيقة بشأن جريمة باسكال سليمان 2
نائب يتعرض لوعكة صحية! 11 "الرجل الطيب الودود"... الحريري ينعى زوج عمته 7 كلاب بوليسية وانتشار أمني... ماذا يجري في الضاحية؟ 3
إشتباك أميركي - سعودي.. البخاري يعلق مشاركته في الخماسية؟ 12 في جونية... سوريّون يسرقون مخزناً للبزورات! 8 إشكال وجرحى في بلدة لبنانية... ما علاقة "الزوجة الثانية"؟! (فيديو) 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر