"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

سنجابٌ يطلُّ برأسِه المستطيل من ثقبِ شجرة عريضة. شجرة الطائف. سنجابٌ يبحث عن طريدة. صحنه المفضّل جمهورية طازجة. يبحث السِّنجابُ عن الجمهورية الأولى. يغرز أظافره المروَّسة في بطنها. يُخرِجُ أحشاءَها. يجرُمُها بأنيابه المسننة. سنجابٌ واعِد بمثابة ناطق رسمي بإسم حقوق المسيحيين.

يخرجُ من جحره كل ثلاثين أو أربعين سنة. ينصبُ كميناً للطائف كما كمينُ ذِئبٍ ينصبُه لِلَيلى. يعدو الطائفُ بقوائمه الأربع وبكل ما أوتِيَ من سرعة. يهربُ في كل الإتجاهات. نجاته من نجاة المسيحيين. سناجِبٌ تغطّ وطائفٌ ينطّ. لا يُرِيدُ المسيحيون العودةَ الى جمهورية ما قبل الطائف.

يريدون أن تبقى الجمهورية الثانية على قيد الحياة. وفاةُ الطائف وفاةٌ لآخر جمهورية يرأسها المسيحيون. لن تحظى الجمهوريةُ الثانية اذا ما اغتيلَت حتى بجنازة. لن تُعطى فرصة تشكيل ميليشيا أو إقفال معبر أو إستدعاء فيليب حبيب. ستُتركُ الفقيدةُ حيث هي، في بيوت الغباء والبغي. ستندلعُ جمهورية جديدةٌ. سيحتاج فيها الكاهنُ إلى إذن خاص لإقامة قدّاس.

الطائف دايةٌ والجمهوريةُ الثانيةُ مولودُه. أرضَعَها الطائفُ حتى كَبُرَت. علّمَها الرمايةَ كلَّ يومٍ فَلَمَّا أشتدّ ساعِدَها رمتهُ.

التأسيس للجمهورية الثالثة، جمهورية ما بعد الطائف تأسيسٌ لحقبة طويلة من أفول المسيحيين.

ما يحدثُ اليوم مخيفٌ أكثر من أفلام هيتشكوك. أكثر لهيباً من حريق نوتردام. انتقام أشلاء الجمهورية الأولى من أشلاء الجمهورية الثانية. حرب أشلاء. جمهورية زومبي تهجم على جمهورية طرية ما زالت في مقتبل العمر. سناجِب ستؤسس لجمهورية ثالثة لن يتبقى فيها للمسيحيين وبعد استئذان أمرؤ القيس سوى قصيدة: قِفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ بسقطِ اللوى بين الدّخولِ فَحَومَلِ.

كلُّ دستورٍ في العالم تعدِّله الإستفتاءات إلا في لبنان. الدستور في لبنان تعدّله الحرب. وأي حرب!

نرى اليوم من على تخوم الغابة خروج السناجِب من ثقوب الشَّجَر. بالأمس بكت قبرشمون. اليوم وغداً قد تبكي أي مدينة أخرى. أي بلدة مسالمة. دمٌ درزيٌّ. دمٌ مسيحيٌ. دمٌ من أي فئة طائفية لا يهم. المهم أن الدمّ وقود الجمهورية الثالثة.

جمهورية أولى لم تمت ميتةً كاملة. ماتت قليلاً. تمَّ تهريبها وتغيير سحنتها. جمهورية ثانية لم تولد ولادَة كاملة. وُلِدَت قليلاً.

بين هذه وتلك، لا نموت ولا نعيش. نحن شعبٌ بين بين. يحاصرنا السناجب وسط مشروع ثلاثين سنة جديدة من الجنون.