"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

هيَ الموضَةُ دارِجَة رائِجَة كَما الكَعبِ العالي. كَما نَرجيلَة البطّيخ ولُفافَة التّبغِ المَشحونَة عَلى البطّاريَّة. قررتُ أن أكونَ قويّاً في طائفَتي. أقوى مُطلِق شِعارات من لبنان إلى الفُرات إلى جِبال آرارات. أقَوى منشِّط لِذكرياتِ الحَرب. أقَوى حِقنَة للشعور بالنشوَة الطائفيَّة. يَجِب أن أكونَ عَلى الموضَة ولَن أكون دقَّة قَديمَة بعدَ اليَوم. دقَّة وطنيَّة. أسرَّ لي بعضُ العارِفين أني بقوَّتي الطائفيَّة سيَكونُ تَرشيحي طبيعيَّاً على كلّ مَواقِع الدّولَة.

الرئيس القَوي. النائِب القَوي. الوَزير القَوي. المدير القَوي. الحاجِب والحَمّال والسوّاق والكنّاس والنّسناس. كلُّهُم يتوجّب عليهِم أن يُتقِنوا اللغَةَ نفسَها. علّيَ أوّلاً بِرفعِ الحَديد لإبرازِ تَقاسيمِ عَضلاتي المترهِّلَة. رَجُلٌ مترَهّلُ العَضَلاتِ الطائفيَّة لا تتطابقُ مواصَفاتُهُ مع أي نَوع من الزّعامَة.

سأقضي عَلى جَميع المنافِسين. سأشتَري أي إنسان حيثُ بالإمكان. الضمائِر سعّرتُها بالدّولار. الجوع بالليرَة اللبنانيّة. سيَكونُ لي مقالٌ يَوميٌّ أشدُّ فيهِ العَصَب الطائِفي. سأُعلِّقُ نفسي كلَّ يَومٍ على خَشَبَة. سأنشرُ مَظلوميَّتي عَلَى أعمِدَةِ الجَرائِد. سأموتُ وأقومُ في اليَوم الثالِث كِما جاءَ على الفايسبوك. سأغذّي صَواني الكَنائِس بالتبرّعات. سأوزِّعُ البّخورَ والمباخِرَ مجّاناً. المُبَخِّرونَ أيضاً سيكونونَ من أتباعي. سأستَهدِفُ الشمّاس والإندلفت والكاهِن والأسقف والبطريرك والبابا. خطّتي واضِحَة: المسيحيَّون في خَطَر. شِعاري: ساعِدوا مسيحيي المَشرِق. عنوان مقالاتي: ربِّعوا أجراسَكك في قُراكُم. في جعبَتي أكثَر من قَفشَة: "عَلى طريق الجلجلة". "أيّها المسيحيون إتَّحِدوا". " عليكُم بالإنجابِ يا أَنجاب ".

أنا مصمِّمٌ عَلى إنتِهاجِ هذا المَسار. تنبّهتُ ِإليه متأخِّراً. أن يأتيني الوَحيُ متأخّراً خيرٌ مِن ألا يأتيني أبداً. سأجمَعُ من "محيط المحيط" و"لِسانِ العَرَب" كلّ مفرداتِ التّحريض. كلّ مرادِفات الحِقد. كلّ نعرَة مميّزَة.

زَعامَتي سَتكونُ مَضمونَة وعابرَة للوَطَن. المعجَبونَ سيتهافَتونَ عَلى نَعراتي من المحيطِ إلى الخَليج. سيسقطُ قَتلَى وجَرحَى كلَّما خَطبتُ عَلى مِنبَر. كلّما اعتليتُ منصَّة.
سأكونُ أوَّل مؤسس لِدِيانَة الخَوف. أوَّل قطرَة ماء عَلى زهرَةِ العزلَة. أوَّل من يتسلَّق جَبَل التعصُّب.

تخّيلوا كَم جَميلٌ أن يُقالَ بأني المُدافِعُ والمُنافِحُ والمناضِلُ والمُثابِرُ والمُهاجِمُ. بيَدي صَليبي. أرفَعُهُ لأطردَ الشياطين وأهشّلَ الأرواحَ الشرّيرَة.

لَن أنسى إصطيادَ جَراذين الخَوف من مَجاريرِ الجَهل. سأعيّنها بِفَرمانٍ طَائِفي كَوادِر عُليا في حِزبي مسؤولَة عَن صيانَة مَصلَحَة تَشخيص النِّظام.

وطني مصرٌّ عَلى تَعليمي كَيفَ أكونُ قويّاً في طائِفَتي. ضَعيفاً في وَطَني. كيفَ أصلّي صَباحاً وأفتَح مَلَهى سياسي ليلاً. كَيفَ أكَونُ رسولاً ويوضاساً. نبيّاً وشَيطاناً.

ولا أَهيَن. ها أنّي أشاطِرُكُم سرّي. جهِّزوا شِعاراتِكُم. أفتُنوا في الأرضِ قَليلاً. تَصاعَدوا كالنار في مرتَبَةِ القَدح الطائِفي. اعتَزّوا ما استَطَعتُم بِمذاهِبِكُم. قليلٌ من المناوشات والجروح الطّفيفَة في سبيلِها سَيكونُ مستَحَبّاً. مَبروك. أصبَحتُم أقوياء في طائِفَتِكُم. غَداً سيتحوَّل بَيتُكُم مَحَجّاً. طلَّتُكُم أبَهَى سَتَصير. أنتم الأقوياء في طائِفَتِكُم. قوَّتُكُم كاسِحَة أوطان!