Beirut
16°
|
Homepage
ما أخذه جنبلاط وقدّمه في بعبدا
عبدالله قمح | الاثنين 12 آب 2019 - 1:00

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

من الخطأ اعتبار أن الأزمة التي نشأت في الجبل متصلة فقط بحادثتي البساتين أو الشويفات، فالبحث بجذور المشكلة يقود دائماً نحو العودة لعام 2016، تاريخ إبرام التسوية الرئاسية بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري تحت رعاية حزب الله. حينها، أراد النائب السابق وليد جنبلاط ملازمة رئيس مجلس النواب نبيه بري في السير بمسار السلة ورفض كل ما دونها، لكنه اكتشف أخيراً أنه أخطأ في الحساب.

وليد جنبلاط ليس نبيه بري. الأخير يعرف كيف يشرع أبواب أمامه للاستفادة سياسياً من الوضع السائد. هادن ميشال عون وعارضه حيث تدعو الحاجة. جعل من نفسه ميزاناً للعهد، أخذَ منها ما يريد من دون أن يكون شريكاً معه، ثم كرس نفسه حاجة من أجل ديمومة العهد. اصلاً بري يعتبر حارس النظام اللبناني، شخص ربط مصير هذه التركيبة به. لديه ميزات عديدة من المسلم ان جنبلاط يفتقدها.


يتربّع بري على زعامة مشتركة على الساحة الشيعية مع حزب الله بصرف النظر عن الدخول في الاحجام والاوزان. يأخذ من الحزب القوة ويتبادل معه القوة، يتفاعلان سوياً ضمن بيئة تعد أكثر من مليون شيعي! وليد جنبلاط يفقد هذه الميزة (الميزات) ايضاً.

درزياً "البيك" مستهدف من قبل فريقين، ثم ان لا شركاء له داخل الطائفة يعول عليهم بل ثمة خصوم، ثم وأن كان تصنيف جنبلاط ضمن التركيبة يجعله مكوناً اساسياً فيها، لكن الخلل الذي أصاب الميزان جعله خارج منطق بيضة القبان التي تمتع بها لسنين.

في النهاية أتت التسوية الرئاسية بما لا يخدم وليد جنبلاط. وجد أن الكل يأكل من الصحن:

التيّار الوطني الحر قطف قانوناً انتخابياً نسبياً يمكنه من العودة إلى قوة الموارنة في الجبل واستطراداً سحب امتيازات حازَ عليها جنبلاط في الطائف، فضلاً عن نعم لا تعد ولا تحصى.
تيار المستقبل نال شرف تمثيل السنة عبر الحريري على سدة الرئاسة الثالثة ما دام عون جالس على كرسي بعبدا، وهو محمي برموش العين.

حزب الله ربح، أولا في تأمين وجود حليفه البرتقالي في قصر بعبدا وثانياً جرّ إليه الحريري الذي بات ملزماً بمدرجات التسوية، لكي ينقذ حضوره، ومن هذا القبيل يكون الحزب قد نجح استئصال الجينات المشاكسة عند الحريري.

حتى أن الرئيس نبيه بري تذوق طعم التسوية لكونه يتقاسم الصحن الشيعي مع حزب الله، فحنكته ودهائه السياسيين جعلاه يحتل الموقع الذي يريد من دون منّة. وحده وليد جنبلاط خرج من المولد بلا حمص، يتفرج على "تخبيص" الجميع في الصحون.

المشكلة أن جنبلاط هو الذي اختار الجلوس بعيداً، ومتى كان يقترب من المائدة، كان يضع شروطاً تكفل جلوسه، سريعاً ما يجري نقضها، لكن وعلى الرغم من ذلك، لم يعثر على مقعدٍ ثابت له على الطاولة، ثم سريعاً بدأ يختبر النتائج المترتبة عن عدم الدخول وأخذ حصته.

الجميع يعلم أن جنبلاط، كغيره من السياسيين، لا يمكن أن يحيا من خارج جنة السلطة، كذلك وعلى نحوٍ أشد أهمية، لا يمكن أن يخلي ساحته ويجلس بعيداً عن موقعه الأساس خشية على السلطان وسلب المقدرات. وكي لا يتركه عرضةً للقضم من قبل خصومه السياسيين، الذين وجدوا في حلول عصر العهد العوني باباً للانقضاض على خصمهم.

في العلن، صحيح أن الصراعات السياسية التي دارت وسوّيت عشائرياً في بعبدا، نمت على بساط حادثة "قبرشمون - البساتين" تحت عناوين قضائية، لكن عميقاً وفي نظرة داخل الكواليس، يتبين أن الصراعات الفعلية قامت على حسابات أخرى يجري صوغها بدقة، ترتبط برسم التوازنات السياسية التي ستلازم العهد في النصف الباقي من ولايته، والاكيد انها ستكون مختلفة.

الحديث يدور عند الثلاث سنوات الباقية التي دشن الخوض فيها منذ الآن وقبل حلول تشرين، موعد اطفاء الشمعة الثالثة من عمر المساكنة القسرية.

من جلسوا بعيداً عن المائدة أمثال جنبلاط، يعدون العدة لتعديل موقفهم ضمن هذه الفترة الاساسية في العمر السياسي لكونها ستؤسس إلى المرحلة المقبلة، مرحلة جني ثمار الانجازات أو الخيبات، مرحلة تأمين الوريث أو المرشح، وما دام الاخرون خارج المعادلة، يصبح إذاً تحكم الغير بالمسار جائزاً ويفوق قدرة وقوة.

على ذلك، وجد وليد جنبلاط أن رفع الصوت على الساحة الدرزية سيجني له مكاسب سياسية تعيده إلى المائدة متأبطاً رزمة شروط ستضعه حكماً ضمن التسوية، أي أنه يسعى إلى تعديل شروطها ثم موقفه منها ما يقود الى جعله شريكاً فيها.

جنبلاط، وعلى ذمة القائل، حاول من خلال حادثة "قبرشمون" أن يجعل لنفسه موقعاً ضمن تسوية السلطة القادمة وتقسيماتها فى النصف الثاني من ولاية عون، بعد ان وجد نفسه خارج التسويات. يريد بالنصف الأخير من العهد ان يحسن شروطه للجلوس على طاولة التسوية ونيل حصة بعدما تأكد ان خروجه كان غالي الثمن.

ما جرى في بعبدا أبعد من تسوية، أنه شروعٌ في رسم خارطة سياسية جديدة ألمحَ إليها الوزير السابق وئام وهاب.
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
نائب يودّع العزوبية بعد أسابيع! 9 الرواية الحقيقية لـ "إنفجار دورس"! 5 طائرة تهبط في مطار بيروت وعليها عبارة "تل أبيب"! 1
مرة جديدة... الجيش الإسرائيلي يستهدف بعلبك! (فيديو) 10 عملية للحزب في عمق اسرائيل... صقور متفجرة تدك القاعدة العسكرية الأكبر! 6 "الإتفاق حصل"... بو صعب سيبلغ بري بهذا الأمر! 2
200 ألف مقاتل سوري يهددون لبنان.. ناجي حايك يتحدث عن "أمر كبير" طُلِب من الحزب ويكشف حقيقة جبران! 11 رواتب القطاع العام في خطر هذا الشهر! 7 صوت قوي "يوقظ" سكان الجديدة... ماذا حصل عند "ABDO"؟! (فيديو) 3
بعد إنتحار شاب... نائب يُثير موضوع ألعاب الميسر 12 الإثنين يوم مفصلي... هل يحمل البشرى؟! 8 أرسل صوراً لـ"القبة الحديدية"... هكذا خدعت طهران جندي إسرائيلي! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر