"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

وطنٌ أغلَبُ نسائِه لَيلى. أغلبُ فِتيانِهِ يوسف. خلفَهُ الذئبُ وأمامَهُ البِئر. تمرُّ مشاهِدُ العَلَمين اللبناني والإسرائيلي يتراقَصانِ سويّاً عَلَى أيدي لبنانيين وربّما بمؤازَرَة إسرائيليَّة وكأنها إحتِفال طبيعي. زفاف أو باكالوريا أو دَبكَة حِوار حَضارات. كان ينقصُ الإحتِفال تقبّل التَهاني.

شكلٌ مِن أشكالِ التّطبيع بدأَ يَنمو في لبنان مثل العِربَيشَة. تبدأ بتسلّق المَنزِل مِن أساساتِ الحَديد إلى القَرميد بسرعَة. عربَيشَةُ التّطبيع على وشك أن تغطّي كلَّ العَمارَة اللبنانيَّة. سكّانُها يتعرّضون لِقصفٍ سياسي وإعلامي ممنهَج. أغلَبُ العَرَب طبّعوا. باتَ الإسرائيليّون يأخذونَ " السِّلفي " في الأماكِن المقدّسَة. في المساجدِ والجَوامِع. ربّما يتسلّلونَ إلى مناسِكِ العُمرَة بعدَ حين. يشاهِدُ سكّانُ عَمارَةِ الوَطَن الصّغير هذه الصُّوَر وهُم يَحتَسونَ النّسكافيه.

الأخطَر أن العَديد من سكّانِ العَمارَة يَحمِلُ جِينات إسرائيليَّة قدَيمَة. واضِحَة مثل بثورِ الجُدَري. مروّسَة مثلُ وبرِ قنفُذِ البّحر. يتباهونَ بمرَضِهِم ويتمنّونَ الإقامَةَ فيه. نسمَعُهُم في أنحاءِ العَمارَةِ يردّدون: تبّاً لليَهود. لَو تمّموا اجتياحَهُم لَخَلُصنا. فجأةً يتفشّى الجُدَري. أسماء وشَخصيّات ما زالَت تسكُنُ العَمارَة تتباهَى بكرَمِ الضّيافَة الإسرائيليّة. تستَعيد الشّريط. تتلوَّنُ بثورُ الجُدَري على أجسامِهِم باللونِ النّبيذي الدّاكِن شَوقاً لذكريات...هَيهات لَو تُستَعاد.

كلُّ ما في عَمارَةِ لبنان في دائِرَة القصف. جيشٌ إلكتروني يَغزو الفايسبوك. طلب صَداقَة فموعِدٌ فَلِقاء. " فرَندز" و" لايك " و" كومِنت " من أسلِحَة التّطبيع.

يصعبُ على جيلِ أولادِنا وأحفادِنا استيعابُ اللعنَة التاريخيَّة التي ضرَبَت فِلسطين. بعضُ دورِ النشر تؤثِرُ طباعَة كلمة إسرائيل على خارِطَة الشرق الأوسَط بَدَل عبارة فِلسطين المحتلَّة. عِبارَة العدّو الصّهيوني بالنسبَة إلى هذا الجيل تشبِه بارودَة بندق بو فتيل. أولدزموبيل موديل ال 54. لا يفرّقونَ بينَها وبينَ معرَكَة صفّين أو العَلَمين. قصَّة المير مَجيد لا تَستهويهِم كثيراً. كانوا ليهتّموا بِها لَو لَم يكُنِ المير في المالكيَّةِ عَلى ظهرِ خَيل. يريدونَهُ عبرَ " النينتاندو " و" البلاي ستايشُن ". إستبدال الفَرَس والفرسان والفروسيَّة بال " سناب شوت" وال " إنستاغرام" وال " ميسَنجِر ".

يدخُلُ التّطبيعُ إلى هذا الجيل ويصيبُهُ بالجُدَري. عَلَمان لبناني وإسرائيلي لَم يُحدِثا ضجَّة. ضجَّة الرقص والتصفيق في هذا الإحتِفال غطّت عَلى أي ضجَّة أخرَى. الأخطَر سؤال. أي معجِزَة جنّبَت لبنان تحوّل الجُدَري إلى بَرص إٍسرائيلي وبلدُنا هوَ الأقرَب إلى العَدوى؟ بَرَص عابِر للحدود تفشّى في أبدانِ العَرَب فلِمَ لا يَنتَقِل إلينا؟ مِن حقّ " عَودة المُبعَدين قَسراً " إلى لَمِّ الشّمل المَشمول بالعَفو، إلى تَلقيح اليونيفيل بِالجُدَري، إلى " كُن صَديقي "، إلى آلاف المُصابين بالمَرَض يستَذكِرونَ أسماء الجِنرالات اليَهود والأمكِنَة التي أكَلوا وشَرِبوا فيها مَعهم، إلى مَطعم حمّص أنطوان لَحد وإلى أعداد غَفيرَة دَخَلت بأسماء مستَعارَة إلى دَولَة غَفورَة، مِن إلى، يتضّحُ أننا نحمِلُ الفيروس. بثور جُدَري صاحِيَة في خلايا نائِمَة.

صفقَة قَرن تُشاهِدُ مِن بَعيد كيفَ نَعدو وراء الدّولار. بينَ الفَقرِ والجُدَري تعرِفُ الصفقَة أننا ربّما نقبَلُ بالجُدَري. المواجَهَة الجَديدَة لَم تعُد بالصّواريخ الذكيَّة عَلى أهميّتِها. صَواريخ برؤوس إعلاميَّة وثقافيَّة أيضاً. فهيّا إلى السِّلاح!