Beirut
16°
|
Homepage
من نيويورك الى سويسرا وقبرشمون.. جنبلاط الذي لا يعتزل!
ملاك عقيل | الاثنين 09 أيلول 2019 - 0:00

"ليبانون ديبايت"- ملاك عقيل

في قمّة إحباطه السياسي عام 2011، فضَّل وليد جنبلاط، مناصر الثورات العربيّة من تونس الى سوريا، أن يكون "زبّالاً" في نيويورك على أن يكون زعيمًا في بلدٍ إسمه لبنان.

كان بالإمكان في تلك اللحظة الانفعاليّة، تصوّر وليد بيك، مُتأبّطًا حقيبة جلدية فخمة يضع داخلها مستلزمات مهنته الجديدة "الطارئة" التي ستقوده الى أعظم ولايات العمّ سام، تاركًا وراءه أعزَّ ما يملك، أي إرث المختارة وذكريات لا تنضب عن تلك الوفود التي تحجّ أسبوعيًّا الى قصر البيك "لأخذ البركة" والالتصاق به كيفما "بَرَم"!.


عمليًّا، كانت لحظة تخلٍ لم تأخذ الكثير من الوقت لتتبدّد في سماء زعامة يُصعَب أن تنتهي في مكبٍّ للنفايات. قالها مرّة أخرى بمرارة أكبر، حين أطلق العنان قبل سنوات لمخيّلته الجانحة نحو شهوة اعتزال السياسة. اختار يومها سويسرا البقعة الأمثل على وجه الكرة الأرضيّة، برأيه، للتقاعد والاستمتاع بالهدوء.

مرّة أخرى، تتغلَّب الواقعيّة على انفعال اللحظة. البيك لم يكن حاضرًا نفسيًّا يومذاك للسير على توقيت السّاعة السويسريّة. حسنًا، كيف يمكن للعقل أن يتصوَّر، ولو للحظة، وليد بيك، وهو جالسٌ على كرسي صغير في حضرة بحيرة في بقعة سويسرية تشبه الجنّة، في يده كتاب "النزول إلى الهاوية" لأحمد رشيد، ذاك الكتاب الذي سبق له أن قرأه بتمعنٍ ثم أهداه في لحظة تجلٍ الى أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله.

إنها الهاوية نفسها. البيك وحيدًا. بحيرة لوزان أمامه وذكريات الزعامة خلفه. لن يكون الرجل قادرًا على استيعاب الهدوء السويسري "الإلهي".

استحضر عنوة صور ومحطات من حكم "مارشال المختارة" بجينزه الأميركي. جلبة الوفود الشعبية التي تريد أن تلتقط إشارة من يد حفيد نظيرة جنبلاط. سطوة ذاك الإصبع الذي لا يردّ له طل. وأيضًا وقوف كافة الممسكين بمفاتيح اللعبة السياسية "على إجر ونص" يخبزون ويعجنون "طبخاتهم" ومؤامراتهم في السياسة لكن دائمًا يحسبون الحساب لموقع "البيك" ورغباته. معجن هذا الرجل يستحيل أن يستوعب الاعتزال قبل أوانه!

بعد ثماني سنوات، وفي قمة الاحباط السياسي في ظل "ربيع عربي" استحال مجالس عزاء وخوف داخلي عميق على مصير الزعامة الجنبلاطية و"فوبيا" من التطويق، لم يُرصد وليد بيك شاطحًا في مخيلته صوب "عزلة" خارج الاراضي اللبنانية. أقصى ما فعله محاولة فك "عزلته" مع الخارج وإفهام من في الداخل بأنّ استقرار البلد يمرّ بزاروب "البساتين" وليس السياسات التي تُرسَم في بعبدا!

قد تكون من المرّات القليلة التي قرّر فيها جنبلاط رفع منسوب الاستنفار بوجه مشاريع "استهدافه وتطويقه" الى درجة قلب الطاولة فوق رؤوس الجميع. "قبرشمون" تكاد تنطق كي تروي مسلسل يوم "الغضب الاشتراكي الكبير". فعلها سابقًا في مرحلة المواجهة الصعبة من عام 2004 الى 2008 التي أوصلت الى أحداث 7 أيار. في الحالتين: جنبلاط هو نفسه. "يهيّج" الارض والعباد ثم يذهب الى التسويات بقلبٍ باردٍ كفيلٌ بـ "توليع" خصومه في الطائفة وتلقين بعض من "يظن" أنه حليفه "درسًا" في الواقعية السياسية: "القوات اللبنانية" اليوم هي نموذجٌ!

الرجل الذي لا يأبه للمساءلة لن يتردَّد في فعل كل ما يمكن أن يبقيه خارج دائرة الاستهداف. هكذا بين "اللقلوق" و"عين التينة"، ارتسمت أكثر معالم المرحلة الجنبلاطية المقبلة التي قُصّ شريطها في غداء بيت الدين. ما طالب به جنبلاط ولم ينله قبل المصالحة الدرزية - الدرزية، كان له بعد إنجاز المصالحة الهشة.

ها هو "حزب الله" يقدِّم له، وجهًا لوجه وتحت سقف عين التينة، الضمانات التي طالب بها في عزّ اشتباك "قبرشمون". الأدق القول أعاد "حزب الله" تذكير جنبلاط ما سبق أن سمعه بالواسطة: لا نية لاستهدافك لا سابقًا ولا لاحقًا، ولو أردنا ذلك لكان المشهد اختلف تمامًا. مع العلم أنها كانت من المواجهات النادرة بين الضاحية والمختارة التي تدفع السيد نصرالله الى الخروج عن "اتيكيت" التخاطب مع طرفٍ في الداخل ليوجّه سهام كلامه مباشرة باتجاه "البيك".

وما بين الطرفين ارتاح الرئيس نبيه بري من "همّ" جمع الأضداد الذي سعى اليه طويلاً، فيما بقي توقيت اللقاء بيد "حزب الله" فقط خصوصًا مع حرصه على إبعاد نفسه عن كل ما يمكن أن يصوّره وكأنه جزء من أزمة الجبل. المقارنة البسيطة في الشكل والمضمون بين اجتماع الوفدين في عين التينة في 5 أيار الماضي و7 أيلول تظهر الفوارق جليًا. أما الآتي فسيثبت أكثر أنها لم تكن مصارحة شكلية كما كانت الحال بين إرسلان وجنبلاط!

حين يفترض أن يكون تيمور عشية زيارة رئيس "القوات" سمير جعجع الى الجبل حاضرًا متأهبًا في المختارة، وأن يحلّ طلال ارسلان ضيفًا عزيزًا على مائدة القصر الرئاسي في بعبدا، ثم زائرٍ "فوق العادة" في عين التينة بغية تخفيف منسوب الهواجس من "تسوية قبرشمون" حصل العكس تمامًا. عدو بشار الاسد "الأزلي"، مبدئيًا، وناكر على مزارع شبعا لبنانيّتها، والمُتحَسِّس من سياسات العهد و"تهوّر" وزير الخارجية جبران باسيل وتطرّفه، والناقم على "سيطرة" "حزب الله" على الدولة استجمع في وقت قياسي أكثر من ورقة بيده.

وليد جنبلاط يربح مرّة أخرى. من اتهم صراحة بعض أركان العهد بـ "الإرهاب المُنظَّم المبني على منطق "حروب الإلغاء"، يستعدّ لتوِّه لتفعيل "منظومة" تنظيم الخلاف مع "حزب الله" وإعادة تذكير أقطاب التسوية بأنّ تجاوز المختارة ليس نزهة.

البراغماتيون يقولونها كما هي: ماذا يريد جنبلاط أكثر من تجديد عقد "التأمين" على الزعامة مع انتقالها المُعقَّد من وليد الى تيمور؟ ولا بأس بالحفاظ على الكثير من الامتيازات على رأسها التعيينات. مؤخرًا بدا الجميع كمن يريد "صيانة" العلاقة مع المختارة.

مؤتمر النائب وائل أبو فاعور "ما غيره" الذي لم يترك سترًا مغطى، بات خارج الزمن والسّياق. "العاشوراء" الحقيقيّة، عمليًّا، تُسمَع في خلدة والجاهلية... وصولًا الى معراب!
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
بعد قطعه جثة زوجته ودفنها في الحديقة... قوى الامن توقف القاتل 9 "بالشتم والضرب"... كاهنان يعتديان على المهندس رولان غسطين 5 بالفيديو: إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في برج حمود 1
"خلافا للشائعات"... صواريخ "العراق" تكشف خفايا الهجوم على ايران! 10 القضاء يهدر جهود القوى الامنية… اخلاء سبيل عصابة خطف 6 إقامة دائمة لـ "السوريين" 2
"جزءٌ مهمٌ من منظومة الدفاع الجوي"... تقريرٌ عن اضرار الهجوم الإسرائيلي 11 فرنجية ليس شيطاناً والياس بو صعب خسارة كبيرة... نائب عوني يحذّر من قنبلة ستنفجر ونداء إلى بري! 7 هجوم مسلح في الاشرفية... اليكم التفاصيل! 3
ثاني رائد فضاء عربي يفارق الحياة! 12 صور "تظهر" حجم الأضرار في القاعدة الإيرانية المستهدفة! 8 زياد أسود يكشف خلفيات "فصل" بو صعب وعن "حضانة" باسيل: ما حدا باقي! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر