"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

ضَربٌ مِن ضروب الخَيال السياسي القول أن لبنان يعيش في ظِلّ نِظام إستِبدادي. هذه مبالَغَة تشبِهُ الإفراط في استِعمال البوتوكس حيثُ لا يَجِب. لبنان في الواقِع ضحيَّة للإستبداد إنما مَع بوتوكس ديمقراطي. بوتوكس لِتَنفيخ تَجاعيد الإستبداد ولإخفاء وجهِه المُخيف. ما يَكفي لِعَدَم تَجفيل الناس.

نِظام قائِم عَلى التسويات. تَوزيع المقبّلات والمشروب والأطباق الرئيسية والحلَوى عَلى طاوِلَة المَدعوّين. من الطّقطَق إلى السلام عليكم. مأدبة سياسية كاملَة عَلى شَرَف أهل الإستِبداد. المعارَضَة في هذا الزمن مستَحيلَة. عليكَ أن تَكون مرمطونَ المأدبَة أو نادلَها أو مساعِد عشّي لتحصَل عَلى الفُتات. عدا عَن ذلك أنتَ لستَ في عِدادِ المَدعوّين. يمكنك أن تصرخ كَيفَما تشاء. لَن تُعطَى كسرَة خبز واحِدَة. إذا حالفَك حظّاً يفلقُ الصّخر ستتحوّل من فأرٍ نَحيل إلى فأرٍ سَمين. هذا رأسُ سِعرِك...

أليسَ مُلفِتاً أن يَصِل الربيع العَرَبي إلى مشارِف لبنان ثمَّ يَعود أدراجَه؟ لبنان ليسَ بلَد ثورة. إنه حَقل تَجارب. في المختبَر اللبناني يُحاوِلُ عُلماء السياسة وجَهابِذَتُها إجراء كلّ أنواع الإختبارات. نحنُ فئرانُهم البيضاء. شحنَة كَهربائيَّة تحرِّكُنا. نبدأ بالرّكض نحوَ الجبنَة. نِهايَتُنا لا تُخطِئ: مَع النفايات الطبيَّة. أغلَب المستَبِدّين يمسكونَ بِنا مِن أذيالِنا. إذا كنّا مِن أصحابِ الحَظوَة يَحقنوننا بِهرمونِ الذُّكورَة " التِستوستِرون " لامتِحانِ ذكورَتِنا ولإنتِصابِ كَرامَتنا.

الشعب اللبناني فأر اختِبار أبيَض. أفضَلُ الفِئرانِ عَلى الإطلاق. دَساتير كثيرَة تناوبَت عليه من المتصرفيَّة إلى دولَة لبنان الكَبير إلى الإستقلال فالدّوحَة فالطائِف. لعِبَ مَعها كلّها. أثبَتَ أنه يستَطيع اللعب مَع دساتير جَديدَة متى يحينُ وقت اللعِب. منذُ عشرَات السنين يركضُ في متاهة. يلحقُ الجبنَة. يُشحَنُ ليتحرّك. ثمَّ يُرمَى في سلّة مهملات المختبَر. مختبرات لبنان. هذا أصحّ ما يمكنُ أن يوصَف بِه بَلدنا. فحوصات مخبريَة دقيقة مَطلوبَة لكشف النّقاب عَن سرّ قدرَتِنا " الفأريَّة " عَلى الدّخول عشرات المرات في المتاهَة بالشحنَة ذاتِها والجبنَة ذاتِها.

من هذا المنطلق نحنُ شعبٌ نعشق الإستِبداد. الإستِبداد نوعٌ من الفيتامين الصّناعي نلتذُّ بِه عند فقدان فيتامين الدولَة الطبيعي. قانون الإستِبداد أهم بالنسبَة إلينا من قانون العَمَل وقانون السير وقانون المحاكَمات المَدنيَّة وكل الموجِبات والعقود الوارِدَة في المكتبَة القانونية. المستَبِدّ يحِلّ مَحل القانون. عِندَها لا يحتاجُ الشعبُ إلى القانون. المستبِدُّ يصبِحُ القانون. يسلِّمُ المستَبِدُّ القانونَ إلى الناسِ مَخفوراً. هذا هو القانون – يقول للناس - إفعَلوا بِه ما تشاءون. الناس يَعشَقون أهلَ الإستِبداد. كلّما مالَقوهُم أعطاهُم المستَبِدّون شَرَفاً كبيرا. بِدورِهِم، أن يَستَبِدّوا بِغيرِهِم.

تخيَّل أن تَكونَ مَرمَطوناً أو نادِلاً عَلى مَائِدَةِ مستَبِدّ. ستكون قادِراً على الإستِبداد بِمن تُريد. لا دولَة ولا مَن يَحزنون. حرِّك صَديقي ربّ البندورَة جيّداً فِي القِدر. أسكُب خيرات المستَبِدّ بتأنٍّ في جوطِ الفِضَة. يَكفيكَ هذا لتصبِحَ فئراً أبيضَ في مختبَرات لبنان. قليلٌ مِن البَختِ الحَسَن ستتمكّن في يومٍ من الأيام مِن الجلوس حولَ مائِدَة الإستبداد والمشارَكَة في حقنِ قليلٍ من بوتوكس ديمقراطي عَلى سُحنَتِك. مَبروك أصبَحتَ مستبِداً.