Beirut
16°
|
Homepage
الى منعطفِ التدويل...
عبدالله قمح | الاربعاء 30 تشرين الأول 2019 - 3:00

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

منذ السّابع عشر من تشرين الأوّل، والخوف يلازم معترك السّاسةِ، ليس على مصائرهم فحسب، بل على ما قد تفرزه الأيّام المقبلة.

وطوال أيّام الانتفاضة الشعبيّة، كان الإحساس ينمو بإتجاه الاعتقاد، بأنّ الأزمة الراهنة قد تقود البلاد نحو الدخول في منعطفِ التدويلِ، لأسبابٍ شتّى، منها غياب القدرة الداخلية على تأمين حلولٍ، والذهنية المُتَحكِّمة بالطبقة السياسيّة التي لا تقود في مثل هذه الأحداث إلى حلولٍ.


وما زاد الطينَ بلّة، دخول عوامل القلق والإرباك الى الطبقة الحاكمة، التي لم تكن تدري ماذا تفعل أو كيف تتصرَّف، وهذا الإرباك إنعكسَ، "من فوق ومن تحت".

فوق، كانت الترتيبات تقود إلى محاولة إنتاج عناصر "بلف" تُفيد في ضربِ الحراكِ. ومن تحت، كانت السلطة تلجأ في كلِّ مرّةٍ إلى لعبة الشارع بنيّة تقليم أظافر الحراك عبر محاولة إنتاج شارِعَيْن مُتنافِرَيْن يقودان إلى اقتلاعِ المشكلة الموجودة فيه.

ومع إزديادِ العُقدِ وغيابِ أفقِ الحلِّ نتيجة التضعضع الذي يطبع السلطة، وجدت بعض الدول المؤثرة في المسار اللبناني، أنّ دخولها إلى اللعبة بات فرضًا واجبًا، إذ دخل الأميركيّون والفرنسيّون والرّوس، منفردين بعدما فهموا نماذج التشتت التي تطبع الثلة الحاكمة، ومضى كلٌ على حدى، يتدخل ويحاول تقديم علاجات بالانسولين أو يكيل النصائح.

الأميركيون كما درجت العادة يضعون "رجلاً في البور وأخرى في الفلاحة". من جهة كانوا يصرّون على عدم تلاوةِ الحريري لإستقالته، ومن جهةٍ أخرى، كانت تظهر أصابع استثمارهم في الشارع الداعي إلى إسقاط الحكومة، ما خلقَ مزيدًا من الإرباكِ لدى الحريري. وفي تقدير معنيين، أنّ الأميركي يريد "ترسيخ فوضى" سياسيّة في بيروت قابلة للاستثمار.

الفرنسيّون كانوا أكثر أهلية. هم ومن خلال سفيرهم في بيروت، أسدوا إلى الحريري نصيحة بعدم ترك موقعه. إلى جانب ذلك، ابلغوه نيّتهم الدفع بإتجاه إجراء تعديلٍ يطاول بنية الحكومة، وهي الرسالة نفسها التي قاموا بإبلاغها إلى كافة المعنيين.

ويتردَّد في هذا المقام، أنّ مرجعًا كشف عن تلقي رسالة من مسؤولٍ أوروبيٍّ ينصحه فيها الاستعجال في إخراجِ حلٍّ لبنانيٍّ صرفٍ، وإلّا فإنّ لبنان مقبلٌ على تدويل قد لا يتحمّله.

ثم أنّ الفرنسيين، تحرَّكوا باتجاه الأميركيين، وابلغوهم من باب النصيحة أنّ الشارع في بلدٍ مثل لبنان غير مضمون، فمن يكفل في حال الانجرار إلى الفوضى مثلاً، أن لا يجد حزب الله ملاذًا لإستثمارٍ جيّدٍ في الشارعِ، وفي النهاية سيصبّ الشارع في مصلحةِ الحزب؟!

الروس كانوا أكثر حكمة ودقة وواقعية. وضعوا أفعال الجميع، بمن فيهم السلطة والشارع والدول، في ميزان الدرس، ووجدوا أنّ الجميع ينفلشون بإتجاه توريطٍ هائلٍ للبنان في صراعٍ قد لا يخرج منه سالمًا، لذا ينبغي، وفق التقدير الروسي التوجّه نحو الجلوس مع كافة المعنيين والاستماع إلى وجهة نظرهم، وهذا يستخدم في تقدير الموقف على أن تزود روسيا نتائجه إلى المعنيين بهدف المساعدة.

بقيَ أمرٌ عجزت عنه الدبلوماسية الروسية في بيروت، يتَّصل بفقدان الامكانية للجلوس مع ممثلين عن الحَراكِ، لأن قيادته غير واضحةٍ وليس هناك جهة صريحة تمثله، ممّا شكَّل عائقًا.

وفي تقدير الموقف المستخرج عن حراكِ الدول، بدا أنّ التوجه لدى كافة المعنيين، يصبّ في خانة الدفع بإتجاه إنتاجِ حكومةٍ جديدةٍ تقوم على منطقِ "التكنوسياسة"، أي في نقطة وسطية تقع بين حكومة تكنوقراط وحكومة سياسية، وهذا الاستنتاج يقوم على قاعدة المفاهيم اللبنانية التي لا تقبل أي جنسٍ حكوميٍّ صافٍ.

الفكرة التي راجَت خلال الأيام الماضية، انطلقت من قاعدةٍ تقوم على اتفاقٍ يجري إبرامه بين مختلف القوى السياسية حول شكل الحكومة الجديدة، على أن تكون تَشاركيّة بين أحزاب السلطة ووزراء من ذوي الاختصاص، وأن لا تتعدّى حدود الـ 24 وزيرًا، مع الأخذ في الاعتبار عدم منحِ الثلث الضامن لأي طرف حزبي وإستبداله في البناء على توازنات مجلس النواب، أي أن تكون الغالبية لأحزاب السلطة مجتمعة.

وفي هذه الفكرة حيلة، تتيح للحكومة نيل الثقة اللازمة التي تؤمّن في مجلس النواب، على اعتبار، أنّ الوصول إلى حكومة تكنوقراط لا يمرّ من دون التفاهم مع الأحزاب الممثلة في مجلس النواب، التي لها قدرة على تسمية رئيس ومنح الثقة من عدمها.

وهكذا دواليك. بدأ النقاش في حكومة من هذا النوع، وبدا أنّ بعض أركان السلطة، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، يتقلّبون في المزاجِ السياسي ويضعون قيودًا على الحريري تجبره على القبول بمسلمات لا تراجع عنها، ومنها توزير جبران باسيل كأولويّة لا رجوع فيها، وطوال أيّام، لم يفلح الحريري أو غيره، في تعديل لا موقف رئيس الجمهورية ولا غيره.

أضف إلى ذلك، بروز شيء من انعدام الثقة بين الأطراف. فمثلاً، لم يكن أحد على استعدادٍ للتنازل بمقدارٍ كافٍ. ثم أنّ جهات أخرى، كحزب الله، طالبت بسلسلة ضمانات، تكفل تشكيل حكومية جديدة سريعًا في حال تقديم الحريري لإستقالته. وهذه الضمانات لم يكن من السهل الحصول عليها، لكونها مطلوبة من جهات خارجية لا داخلية، أي المطلوب ضمانات تحديدًا من واشنطن، كي لا تمارس الضغط على الحريري وتمنعه من تشكيل حكومة جديدة.

بالإضافة إلى ضمانات أخرى لها علاقة بضمان عدم إنقلاب المتظاهرين بإتجاه تجاوز مطلبهم الداعي إلى استقالة الحكومة والانتقال إلى الدعوة لإجراء إنتخابات مبكرة أو ما غير ذلك.

وللعلم، أنّ الحريري وطوال الأيام الماضية، كان يُلمِّح إلى نيَّته تقديم استقالته، من خلال تسريبات كانت تُطلَق عبر وسائل الإعلام، وكانَ يتأمّل من ورائها أن تقوم مقام ممارسة الضغطِ على شركائه ما يعني تعزيز أوراقه التفاوضية، لكنه لم يفلح في ذلك، فكان الخيار الأخير هو الوصول إلى مرحلةِ تنفيذِ التسريبات ووضع الاستقالة على الطاولة.

من دون أدنى شك، أعادت إستقالة الحريري خلطَ الأوراق، والصحيح أن الحريري في ظل الكباشِ الحاصل، لم يجد قدرة على الموائمة بين متطلّبات حزب الله وحلفائه ورغبات واشنطن وحلفائها، عند ذلك إختار إعلان الطلاق الذي يصيب العهد والتسوية وشركائها أكثر من الآخرين.

وبدا خلال السّاعات التي تلت الاستقالة، أنّ فرنسا والآخرين مربكين وفقدوا القدرة على تأمين عملية انتقال سلمي للسلطة تتم تحت رعايتهم، بدليل انقلاب الحريري وقراره الخروج من "رقعة العزل" التي يتموضَع فيها كنتيجةٍ طبيعيّة للجمودِ، فما الحلّ؟

تبدو الأمور ذاهبة أكثر بإتجاه دخول دولي على خطِّ معالجة الازمة، ولهذا التدخل القدرة على تأمين ضماناتٍ وتحديد تفاهماتٍ "تحت ضغط الشارع".

فمن جهة، لن تقبل فرنسا وشركائها بسيطرة حزب الله وحلفائه على الشارع من خلال استغلال ما يجري، ومن ناحية اخرى، لن ترضى واشنطن وفريقها بفرطِ الاستقرار نهائيًّا، ولن تقبل روسيا أن تضاف إلى قائمةِ الفوضى دولة جديدة.

وعليه، قد تهيئ هذه العوامل فرصة لمخرج دستوري وتشكِّل جوًا يؤدّي إلى توفير ضماناتٍ بإتجاه تشكيل حكومةٍ جديدةٍ من خلال الدمج بين التوازنات والشارع.. لكنّ العبور بإتجاه هذا المنحى سيرتِّب على البلاد الدخول في فوضى غير معلومة الضوابط أو المُدّة.
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
ابن الـ 24 عاماً يُفجع زغرتا! 9 تصلّبٌ مفاجئ! 5 "الجنون" يضرب نيسان... خنيصر يتحدّث عن أمرٍ نادر ويكشف "مفاجأة"! (فيديو) 1
ابن الـ12 عاماً يروج المخدرات... ماذا جرى في إحدى مدارس لبنان؟ (فيديو) 10 بشأن تسديد الفاتورة سواء بالدولار أو الليرة... بيان من "كهرباء لبنان"! 6 سرقة أسلحة وذخائر من إحدى فصائل قوى الأمن… حاميها حراميها 2
سيناريو يهدد دولار الـ 89 ألف ليرة.. خبير اقتصادي يكشف معلومات مهمة عن الخطة المقبلة! 11 بسبب الإيجار... إقتحمت وابنها منزلاً وقتلا إثنين! (فيديو) 7 سعر ربطة الخبز إلى ارتفاع كبير... كم سيبلغ؟! 3
"القادم خطير جداً"... العريضي يتحدّث عن "زحطة" كبيرة للقوات! 12 طارد مواطن بهدف سلبه عند أنفاق المطار... هل وقعتم ضحيّة أعماله؟ 8 "حربٌ أهلية"... هذا ما تنبّأ به ماسك! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر