Beirut
16°
|
Homepage
الطوعيّة وشكاسة #هوا_تشرين
جورج طوق | الخميس 28 تشرين الثاني 2019 - 7:17

"ليبانون ديبايت" - جورج طوق

قد لا يكون ألكسيس دو توكفيل خير من يُستشهد به للكلام عن ثورة تشرين اللبنانيّة، فهو دعا وزارة الداخليّة الفرنسيّة لفرض الحصار على باريس وقمع ثورة ١٨٤٨ واعتقال الثوّار، كما أيّد بعض القوانين التي قيّدت حينها حريّات الجمعيات والصحافة، لكنّه أعطى إحدى أهمّ النصائح للثورات في كلّ زمانٍ ومكان: "في الثورة، كما في الرواية، الجزء الأصعب في الابتكار هو النهاية".

ما الذي جعل المؤرِّخ والعالم السياسي المدافع عن الحريّات والديموقراطيّة وعاشق الثورات من فرنسا إلى أميركا يقع في هذا التناقض الغريب؟ يبقى هذا التساؤل قائماً حتى نتذكّر الزاوية التي أطلق منها الرجل غرابة موقفه هذا. فهو شغل حينها منصب وزير الخارجيّة في حكومة أوديلون باروت، والثورة من زاوية السلطة وحشٌ بلا روح أبشع من ذلك الذي في رواية ماري شيلي. يقودنا هذا الإيضاح نحو تساؤلٍ آخر: لماذا هذا المقت المزمن للثورات من قبل البنى السلطويّة؟


تُفصح معركة التعبيرين، ثورة أم حراك، بين ثوّار الشوارع في لبنان وسلطة القصور عن قصورٍ حاد بالدراية عند الأخيرة؛ والحكمة تُؤخذ من أفواه المجانين، سيّما مجانين السلطة. فالحراك يتّسم عادةً بالقليل من الطوعيّة للسلطة التي يوجِّه لها مطالبه، فيما الشكاسة هي أقوى سمات الحشود الثوريّة.

لطالما عانت السلطات من رهاب الشكاسة باتجاه الثائرين، إذ تستند قوة الحكم على طوعيّة المحكومين، والشكاسة هي الخروج عن هذه الطوعيّة.

لا تتناسب الطوعيّة مع الروح الثوريّة، ولم يحصل أن ارتقى حشدٌ مطواع نحو ثورةٍ تُقلق راحة السلطة. قدّم حراك ١٤ آذار، برداءٍ ثوريٍّ دعائيٍّ وفضفاض، مثالاً واضحاً على عقم الحشود الطوعيّة، وإن كانت مليونيّة. فالحكومة حينها سقطت بشاعريّة رئيسها الراحل عمر كرامي لا بثوريّة الحشود، واقتصرت نتائج الحراك على إعادة توزيع المنافع السلطويّة على المُطاعين.

بمثالٍ معاكس، وكان أن خرجت احتجاجات العام ٢٠١٥ في بيروت، التي انطلقت عقب أزمة النفايات، عن الطوعيّة فرأينا أنياب السلطة بارزةً ولم يظنّن أحدٌ أنها تبتسم. فالهلع السلطوي يتناسب طرديّاً مع شكاسة الحشود المعترضة، ولثورة تشرين منها مناسيب مرتفعة. لن يقف #هوا_تشرين عند حدود إثارة هلع السلطة وإرباكها. كان ليُسقطها قبل الأربعين لولا نقطة قوّتها اليتيمة والمتمثّلة بطبيعتها الميليشياويّة، وسيُسقطها. تترافق شكاسة الثورة مع روحٍ سلميّة وأناركيّة خلّاقة تُبطل مفاعيل ميليشياويّة السلطة.

تبدو "سلطة الحرب الأهليّة"، حسب تسمية الروائي الياس خوري، بمواجهة #هوا_تشرين المدجّج بخلطة الشكاسة والسلميّة والأناركيّة في مأزقٍ يشبه، لحدودٍ بعيدة، اللعنة التاريخيّة لحروب العصابات على الجيوش الكلاسيكيّة الفاقدة للإبتكار وزمام المبادرة. تبقى النهاية في الثورة، حسب نصيحة دو توكفيل، الجزء الأصعب في الإبتكار، وفي بشائر الشوارع كلّ الخير.

تطرح غرابة موقف ألكسيس دو توكفيل تساؤلاً ثالثاً أقلّ جديّة. فإذا كان للسلطة هذا التأثير الغريب على نظرة وزيرٍ للخارجيّة متنوِّرٍ وكاتبٍ وفيلسوف مثل دو توكفيل باتجاه ثورة ١٨٤٨ في فرنسا، أيّ تأثيرٍ قد تفرضه باتجاه ثورة تشرين على نظيرٍ له في لبنان، لم يكتب سطراً ولم يقرأ روايةً وأوصلته الصدفة لمناصب عدّة؟ لسنا بصدد المقارنة بين الوزير اللبناني وبين الراحل الفرنسي، ففي ذلك مهانة كبرى للأخير.
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
ابن الـ 24 عاماً يُفجع زغرتا! 9 "حربٌ أهلية"... هذا ما تنبّأ به ماسك! 5 "الجنون" يضرب نيسان... خنيصر يتحدّث عن أمرٍ نادر ويكشف "مفاجأة"! (فيديو) 1
ابن الـ12 عاماً يروج المخدرات... ماذا جرى في إحدى مدارس لبنان؟ (فيديو) 10 بشأن تسديد الفاتورة سواء بالدولار أو الليرة... بيان من "كهرباء لبنان"! 6 سرقة أسلحة وذخائر من إحدى فصائل قوى الأمن… حاميها حراميها 2
"القادم خطير جداً"... العريضي يتحدّث عن "زحطة" كبيرة للقوات! 11 بسبب الإيجار... إقتحمت وابنها منزلاً وقتلا إثنين! (فيديو) 7 سعر ربطة الخبز إلى ارتفاع كبير... كم سيبلغ؟! 3
جعجع "يعترف": حزب الله هو الأقوى... ولكن! 12 طارد مواطن بهدف سلبه عند أنفاق المطار... هل وقعتم ضحيّة أعماله؟ 8 تصلّبٌ مفاجئ! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر