"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

الكلماتُ في هذه الآوِنة متَّسِخة. منذُ أكثر مِن خمسينَ يوماً لَم نرها مُستَحِمَّة. كلماتٌ فلتانةٌ على " حلِّ شَعرِها " لَم تُشاهَد في " البرنصِ " مهفهفةً ولو لمرّة واحدة. كلُّ أنواعِ الوسَخ تجمّعَ على حروفها وصارَ من الضروري " دعكَها " بالديتول والصابون البلدي لتعودَ إلى سابِقِ بتوليَّتِها. محاولةُ تنظيفٍ لغويةٍ قرأتها البارحة على شكل جملةٍ مقتضبةٍ وجَّهَها رئيسُ الجمهورية الى زين العمر إثر الزيارة التي قام بها الفنان إلى " بيتِ الشَّعبِ " مؤخّراً. " قاوِمْ في موقِع الضّعف. سامِحْ في موقع القوّة ". كلماتٌ أزالَت بعضَ البُقَع المستعصيةِ فَوْقَ جسدِ اللُّغةِ في هذا الزمانِ الأعجَفْ.

ليسَ بعيداً عن رومانسية الرئيس عون، يعودُ بنا البثُّ المباشَر إلى دراما جسر " الرينغ ". أصبحَ على لائحةِ طعام " الثورة ". صارَ كركند " الثورة ". تمَّ إضافةُ القنابل المسيّلة للدموع كطَبَق مميّز. البكاءُ أفضلُ كاتِم للنُّطق. الكلماتُ التي نُطِقَ بها منذ أيامٍ قليلة من جانِبَي " الرينغ " كانت كفيلة بدفع العديد من الأمهات للبكاء وارتداء الأسوَد. من هذا المنظور تصبحُ القنابلُ المسيّلةُ للدموع عاملاً أساسياً من عوامل السلم الأهلي. بورِكَ دخانُها وتمجَّدَ صوتُها الخلاصي. غريبٌ كيف يساهِمُ دخانُها الرمادي في تحضير الدخان الأبيض الذي ينتَظِرُ اللبنانيون خروجَهُ من مدخَنَةِ قصر بعبدا الإثنين المقبل. دخانٌ من كلماتٍ ثلاث: " إستشاراتٌ نيابيّةٌ ملزِمة ".

نحنُ أمام واقعٍ جديد. خلطةٌ سحريّةٌ رَسَت على سمير الخَطيب وخَلط أوراق من جانب طَرَفَي الأزمة أي السلطة و " الثورة ". الأيامُ الآتيةُ ستكونُ أقسى من سابِقاتِها. ثمة قرارٌ باستعادةِ هيبة الدولة وآخَرُ باستعادةِ هيبة " الثورة ". في هذا الشوط ستخسرُ " الثورة ". على الأقل في النقاط. المجتمع الدولي يبارِكُ خطوةَ التكليفِ والتأليف. " الثورةُ " لا يبارِكُها بصدقٍ سوى البطريرك الراعي. لكن بركته الرسولية أقلُّ تأثيراً من بَرَكة اللواء عباس إبراهيم. الأولى أنفَع لاستدرار النِّعَمِ الإلهية. الثانية أنفَعُ لاستدرارِ النِّعَم الوزارية. المهم. سيكون على " الثورة " التفتيش عن غير افتراشِ الطرقات وشبكِ الأيدي وتنظيمِ مسيراتٍ جندريةٍ للسلمِ الأهلي بين شارِع " المرايه " في عين الرمانة و" حيّ الكنيسة " في الشياح.

لا يبدو والحالةُ هذه أن وتيرةَ استعمال حاويات النفايات آيِلةٌ إلى انخفاض. حاوياتٌ دخلت بقوةٍ على خط الحِراك. ميزتها مرونةُ انتقالها من شارعٍ إلى آخر. دواليبها جديدة ومموّلة من شركة " أرامكو ". شبّانٌ يرددون على أسماعنا أنهم يقودون ثورة " نظيفة " . لا يتورّعون عن إقلاق راحَة النفايات المنزلية المستقرّة في حاوياتِها. استفزّهُم الوزير فادي جريصاتي منذ أشهر. لم يستفزُّهُم مشهد فرز النفايات من الحاوية إلى الرصيف. هذا دون أن نذكر استفزاز " أرامكو " التي بدأت تقلق على حاوياتها أكثر من قلقها على محتوياتها.

الطرقاتُ الدوليةُ صارَت صديقةَ المُشاة في لبنان. آخِرُ صرعاتِ الموسم تركُ مسرَبٍ للسيارات. مبادرةُ حسن نيّة وسط مسرَبٍ مخصص لل " كبَّةِ النيّة " يتناولها زعماء الحِراك مع كَرعَة عَرَق بلدي وشَفطَة مُعَسَّل وكوكو نارا. طرقاتٌ صرنا نتابع قطّاعَها بشيء من الإثارة تضاهي إثارة مسلسلات " بونانزا " في الماضي. المظاهراتُ تنتجُ حالاتَ ذُهانٍ وعُصابٍ جديرةً بالتحليل النفسي. صابرين عبد الخالق إحدى بطلات مسلسلات المظاهرات المضادة. أسَّسَتْ صابرين منذ أيام قليلة ديانةً جديدة على طريق القصر الجمهوري أين منها ديانة " جيم جونز " في غيانا. ربما تعمدُ صابرين في المرحلة المقبلة إلى كتابة تجربتها والبدء بالكرازة والتبشير.

داني أبي حيدر انضم البارحة إلى قافلة شهداء الإمعاء الخاوية والرّجاءِ المثقوب. " انتحَرَتهُ " السلطة. عندما يصبحُ إطلاقُ النار على الذات أرحمَ من إذلالِها، يواجهُ الحُكّامُ غضبَ الذاتِ الإلهية. ترحّمَ على داني اللبنانيون وشركة " دبّاس ". انضمَّ هذا الشاب إلى زملاء الشهادة حسين العطار ، ناجي الفليطي ، حسين شلهوب ، سناء الجندي ، علاء أبو فخر وأنطونيو طنّوس. آخَرُون على لائحة الإنتظار ينتظرون وطناً لهم أجملَ مِمَّا صوّره لهم صوت فيروز. وطنٌ لا يُحرَمُ فيه الأطفال من ألف ليرة ولا يمنَعُ عنهم مناقيش الصباح.