Beirut
16°
|
Coming
Soon
Coming
Soon
بلديات
الرئيسية
الأخبار المهمة
رادار
بحث وتحري
المحلية
اقليمي ودولي
أمن وقضاء
رياضة
صناعة الوطن
مصمِّمُ أزياءِ النّصوص
روني الفا
|
المصدر:
ليبانون ديبايت
|
الاحد
29
كانون الأول
2019
-
7:05
"ليبانون ديبايت" - روني ألفا
في الكِتابَةِ شيءٌ مِن الأُمومَة. قبسٌ مِن خصوبة. كلّ عَوارِض الحَمل متوافِرَة في هذه الهامَةِ الوَرقيَّة حينَ ينتَفِخُ بَطنُها بِجَنين الكلِمَة. حتّى ولَو كنتَ تكتُب لِتَعيش يصعب عليك أن تَكونَ مرتَزَقاً. الإرتزاقُ في الكِتابَة مثلُ الإتجار بالمَمنوعات. إقرأ ما يكتبه المرتَزَق جيّداً. سَتَجِد بينَ طيّاتِ سطورِه أثراً ولو ضئيلاً من بارود الثّورَة. الثورَة عَلى ما كتَبَه هوَ نفسه قبلَ سطرٍ أو مقطَع أو قبلَ مقالَةٍ سابِقَة.
عَدَمُ الرّضَى سِمَةٌ ضرورية مِن سِماتِ الكتابَة. هذه العادَة القاتِلَةُ التي تَدعوكَ إلى مُراجَعَةِ نصِّكَ قبل الإفراج عنه. كَمٌّ مِن الخَوفِ والتوجّس يتملّككَ حينَما تقرّر إطلاق سراح ما كَتَبتَه. حينَ تُقَرِّرُ أنّه آنَ أوانُ ارتِحالِ النصّ عَن الخاصّ والتِحاقِه بالعام. نصُّكَ هو مرآةُ الذّات وقَد خَرَجَت مِن تَلافيفِ الروح إلى عالَم الأشياءِ المَنظورَة.
هذه مشقّةُ الكِتابَة. أن تواكِب. أن تَكونَ شَريكًا في عوارض الحَياة اليوميَة. أن تصبِح شريكاً في انبلاج الفجر وفِي هبوط المساء. مَنسوبُ التّفاؤلِ أو التّشاؤُمِ مَنوطٌ بِالكلمات التي تختارها. يتحوّل نصُّكَ إلى الزِّئبَق الذي يُشيرُ إلى يَباس اليأسِ ورطوبة التّفاؤل.
سَنةٌ مرَّت عَلى نصوصٍ كَتبناها نراجِعُها اليوم قَبل أن تُلقِي هذه السّنَة بِنفسِها في بحيرَةِ الصّيرورَة. نعاينُها بشيءٍ مِن الخَوف. يَعتَرينا شعورٌ بِأنّنا ننبشُ قَبرًا أو نتأمّلُ في جثمان.
تَعتَريكَ الدّهشَةُ كَم أنَّ النّصوصَ المَكتوبَة تَبقَى عَلى قيدِ الحَياة. تذهَبُ إليها حامِلاً إكليلاً. تَعودُ مِنها حامِلاً قبلَة. مئَةُ مَقالَةٍ في السياسَةِ والأدَبِ والاجتِماع كتبتُها هذه السّنَة أشبَهُ بصَبايا خرَجنَ مِن رَحِمِ القَلق والأرَق إلى بيتِ القِراءَةِ الزّوجي.
هيَ صِناعَةُ الرّأي العام. قَد لا يعتَرِف البَعضُ بقدرَةِ الكِتابَةِ عَلى صِناعَة الرأي. هذه الحِرفَة صَعبَة. أدواتُها بِحاجَةٍ إلى التّلميعِ المستمِرّ والصيانَة الدوريَّة. يجِبُ حِمايَة مَصنَع الكِتابَة مِن الصّدأ. الصّدأُ يتآكَلُ القَلَم حينَ يَعتَريهِ التّكرارُ المَمجوج .
في كلِّ نصٍّ يَجِبُ أن تَبني. كلُّ حَرفٍ مِدماك. كلُّ كلمَة نافِذَة وكلُّ جملَةٍ شُرفة. أنْ تُفَكِّرَ كيفَ تُجهِّز لِنزلائِك من القرّاءِ غرفة للإقامَة لا مَكانًا للانتِحار. أن تحثَّهُم عَلى الحِفاظ عَلى أناقَةِ الوَطن. عَلى أساسِه وأثاثِه. أن يُسهِموا في تنظيفِه وتَلميعِه وإبقائِه وَطَنًا بِنوافِذ لَمّاعَة لا بِجدرانٍ سَميكَة. وطَنٌ تدخلُ إليهِ شَمسُ الحريَّة وتخرُجُ من نَوافِذِهِ فخّاراتٌ تتدلَّى مِنها زهورٌ بألوانٍ لا تُحصَى.
أقلّ حشرَجَات الولادَة وَجَعاً عندَما يولَدُ نصٌّ تسمّيه «الجيش». تكتُبُ عَن الجيشِ بِيُسرٍ لأنّك غيرُ مقيَّدٍ بِضوابِط سياسيَّة. فجأةً يتحوّلُ نصُّكَ إلى نسخةٍ طَبق الأصل عَن البَزّة العسكريَّة. نصٌّ مرقّطٌ هو ما تَحصُل عليه حين تقرّر أنّ حَملَكَ حَميدٌ وأنَّ جنينَ الجيشِ في أحشائِكَ يتغذّى مِن تلافيفِ أحشائِك. يشرَبُ مِن دموعِكَ ويتغذّى مِن دورَتِكَ الدمويَّة.
فَقَط عِندَما تكتبُ عَنِ الجيش تخرُجُ من السياسَة وتدخلُ إلى الوَطن. كلُّ نصّ كتبتُهُ أو مقالَة دبّجتُها في الجيش خِلال مسيرَتي بِمثابَة نَجلي أو كَريمَتي. أزورُ نصوصي وَيزورونني بإستِمرار. الكتابات الأخرَى تتحوّل إلى إصدِقاء وَمَعارِف. الأولاد زينَة النصّوص. الأصِدقاء زينَة الأوقات. مع هذ الثلَّة من الأوفياء يغتَبِطُ الكاتِبُ وتتعاظَمُ عائلَتُه وتَقوى شَكيمَتُه. مَعها يَمشي مَلكًا.
سَنةٌ تَغورُ في الذكرَيات. أُخرَى أسحَبُ رأسَها بيَدي مِن رَحِم الدّهشَة. الزّمنُ يستَولِدُ ذاتَهُ ويبرُمُ فينا ومَعَنا. نحمِلُ نصوصَنا على رؤؤسِ الأنامِل ونتابِعُ الاعتِناء ببيتِنا الوَطَني. أيامٌ مشمِسَة نكتُبُ عَنها عَلَّها تأتي. أيّامٌ فيها مِن صَقيعِ الألسكا نعالِجُها بحَرارَةِ الإيمان.. والحِبر.
الكُتّابُ مصمِّمُو أزياء النّصوص. مصفِّفُو ضفائِرِها. كنّاسُ أدرانِها وكلِّ الغبارِ المكدَّسِ عَلى جسدِها. الكلِمَة هيَ المَعبَد وكلّنا مِن أتباعِها!
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News،
اضغط هنا