"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

المستشفياتُ لن تصمدَ حتى نهاية الشهر الجاري. ستتحوّلُ إلى صالوناتِ علاجٍ نفسي. إلى براداتِ موتَى. هذا إذا استمر إمدادها بالتيار الكهربائي. تقنينٌ في الوفاة ضروريٌ في هذه الأيام الصعبة. سيكونُ على الأصحاء ألا يمرضوا وعلى المرضى أن يصحّوا في بيوتهم. عودةٌ ميمونةٌ الى اللبخاتِ والأعشابِ والعصائرِ والشاشِ المطهّر. الطبُّ العربي سيزدهرُ وستدرجُ كتبُ إبن سينا في الطب. عودةٌ الى الجذور ووصفاتِ الطبيب المغربي والعقاقيرِ المحضَّرةِ في الصيدليات على أيدي الصيادلة. دبسُ الخرّوب وزيتُ الخروع للإسهال. الكربونات لعسر الهضم وبولُ البقر للأمراض الجلدية المستعصية. الداياتُ الولّاداتُ في جهوزيةٍ تامة لمواجهةِ أي " طَلْق " محتمل في البيوت. عسَلٌ بلدي وبنٌ مطحون للجروح الطفيفة والباقي على الله.

هذا في لبنان . أما في الولايات المتحدة فقد حصلت مسنّةٌ على مبلغ عشرة ملايين دولار كتعويضٍ عن خطأٍ طبي ارتُكِب بحقها بعد أن نسيَ الطبيبُ الذي أجرى لها جراحةً قطعةَ إسفنجٍ صغيرة في بطنها. يا هلا بالإسفنج. إمعاؤُنا جاهزة. نقبل بالعملة اللبنانية.

الكلامُ الإستراتيجي حولَ تعثُّرِ المستشفيات وردَ على لسان النقيب سليمان هارون. لبنان لم يعد مستشفى الشرق. هذا واقعٌ بات علينا أن نتأقلمَ معه. سمعتُ كلاماً على لسانِ مصرفيٍ مخضرمٍ لا يختلفُ كثيراً عن المشهدِ الإستشفائي الدرامي. دمجٌ للبنوك يلوحُ في الأفق. بنوكٌ كانت فيما مضى قلاعاً للثقةِ والملاءةِ والسيولةِ ستذهبُ مع الريح. أسماءٌ عملاقةٌ ستذوبُ مثل ثلجِ شباط. على اللبنانيين بطبيعةِ الحال أن يتعوّدوا أن لبنان الذي عرفوه يذوبُ أيضاً. نحن على عتبةِ تقشفٍ قد نشتاقُ معها الجبنةَ الفرنسية واللحومَ المستوردة والملابسَ الجاهزة وآلافَ الأكسسوارات التي تعوّدنا على اقتنائها. كلامٌ حرفيٌ بلا زيادةٍ ولا نقصانٍ يعززه كلامُ بعضِ المسؤولين الذي يشجّعُ الفلاحين والمزارعين على زراعةِ القمحِ والبطاطا والذرة وتخزينِ المؤن في زمن المِحَن.

دعوةٌ إلى تقبّلِ قدَرِنا الجديد بحِكمةٍ أفلاطونيةٍ مدعومةٍ ببعض تمارينِ اليوغا. التوقفُ عن إقتحامِ البنوك على طريقة بوني وكلايد وأفلامِ الغرب الأميركي. بالأمسِ القريب لفتنا مشهدان أشبَهُ ببروڤا فيلم ويسترن. أحدهما رَكْنُ ونشٍ ضخمٍ أمامَ مدخلِ أحدِ المصارف حتى تحريرِ مبلغٍ من المال. الآخر تحريرُ رهينةٍ داخلَ أحد الفروع بسببِ مبلغٍ من المال أيضاً. مشهدان يكللهما مشهدُ حلولِ سوبرمان شخصياً ضيفاً على فرعٍ ثالث حيث طارَ وغطَّ على مجموعةٍ بشرية. البطلُ المجنَّحُ هبطَ خصيصاً من كوكب كريبتون إلى كوكب لبنان لإنجاز المهمة. لا حاجةَ لنا لمثلِ هذه الأفلام. أموالنا مثل كلارك غيبل ستذهب مع الريح.. أو تكاد.

تبدو خطوةُ الوزيرة البستاني باتجاه كسرِ احتكارِ استيراد مادةِ البنزين مناسِبةً في هذه الأوضاع الإستثنائية. طبعاً لو كان البنزين من المواد الغذائية التي تؤكلُ وتُشرَبُ لكنا بحالٍ أفضل. خطوةٌ جريئةٌ ستؤدي حتماً إلى تخفيضِ كلفةِ العديدِ من الصناعات في لبنان شرط وجود مصانع. أغلبُ المصانع باتت عاجزةً عن استيراد براغي وقطع غيار لصيانة ماكيناتها. الإستيرادُ بالدولار والكابيتول كونترول بالمرصاد. مبادرةُ الوزيرة أشبه بدبّوسِ إصلاحٍ في كيسِ تبنٍ فاسِد. فتّش عن الإصلاح والمصلحين.

البحثُ عن وزيرات لإنقاذِ كل ما تقدّم. لا معلومات مؤكدة عن سبب هذه الغيرة الجندرية المستجدة. تهافتٌ غير مسبوق على الوجوه النسائية للتوزير. طفرةُ مساواةٍ هبّت على الذكور في الآونة الأخيرة. السببُ على ما يبدو ندرةُ الرجال. بعدَ الغربلةِ صار إيجادُ رجلٍ لبنانيٍ بمواصفاتٍ أخلاقيةٍ مقبولةٍ أمراً يقربُ إلى المعجزة. حلّوا عن المرأة. لا تفتّشوا عنها بعد انقطاعِ نسلِكُم الأخلاقي. لا كوتا ولا من يحزنون. كل ما في الأمر أنه لم يعد هناك مواليد ذكور مستقلين. كلّ من قُدِّموا ذبائح على كراسي الوزارة الجديدة إما وكلاء وإما مندوبون. مِن قلة الذكورةِ الأصيلة تتم الإستعانةُ بالأنوثةِ البديلة. بناءً على ما تقدَّم ندعو النساءَ ألّا يتوزّرنَ. ولأنهنَّ مِقدامات حيث لا يجرؤُ المِقدامون فلا بدَّ وأن نباركَ للمرأة ثلثَ الحكومة العتيدة.