"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

نموذجٌ فريدٌ " ثورة " لبنان. فيها قديسون بُتُلاً وأعِفَّةً وفيها شياطينٌ بكامل وساوِسِها وهواجِسِها. بدأت بالأرقى والأنقى وانتهت بالهاجوج والماجوج. أسرع " ثورة " تحوّلت من دمعة مواطن إلى دولاب قاطع طرق. من دمعة على خدِّ عاطلٍ عن العمل إلى دموع مازوت تحت شاحنة عسكرية. " ثورةٌ " فَتِيُّها أرعنٌ هَجهاج. داؤهُ فالِجٌ رَجراج.

بالطبع سيطلب الثوار مقابل أي تحليل عن حلالِهم وحرامِهِم في حراكهم شهادةَ حِسِنْ " ثورة " . تأشيرةٌ ضروريةٌ للدخول إلى كَوكَبِهِم. ممنوع الكتابة عن " الثوار " إلا بإذن مسبَق مِن صبيَةِ الأسفلت. مِن دون هذه الإجازة تُسلَّطُ عليكَ لعنةُ " كلُّن يعني كلُّن ". عليكَ أولاً أن تتخرّجَ من معهد الدواليب " التيوبلِس " حتّى تصبحَ ثائراً متدرِّجاً. أُولى مهامِكَ تحطيمُ إشارةٍ ضوئيةٍ وواجهة محلات شوكولا. توزيع عبوات بنزين ٩٨ أوكتان سريع الإشتعال. رفس جندي. إعداد خلطة مولوتوف. لائحة المواد التعليمية طويلة. هي عبارة عن " كولوكيوم " تتم في نهايته معادلة شهادتك الجامعية بشهادة " بلطجي " متدرِّج. هذا ما آلت إليه الثورة بعد ثمانين يوماً تقريباً. معاهد تعليمية منتشرة في كل المناطق ومدرِّبين مجازين يشرفونَ على تخريجِ جيلِ " الثورة " الذي سيحكمُ لبنان الغد. والنِّعم.

رأيٌ لا يلزِمُ سوى كاتبه. بعضُ القرّاء أيضاً على سبيل المخاطرة. مبدأ " كلُّن يعني كلُّن " يحفرُ قبرَ الثورة. جَهَلَةٌ ما عدا السهو والغلط يجلسون على يمين القوس في الشارع. المحاكمة العلنية سخيفة. أكثر. مثيرة للإشمئزاز والسخرية. إقتحام المكاتب. تصويرُ الناس بالهواتف. استفزازُهم وإهانتهُم. صراخُ وفجور. مفاخرةٌ بإنجازِ طرد شخصٍ من مطعم. إحراقُ صرّاف آلي. مخجلٌ ومُهينٌ أن يصلَ بعضُ من يمثّل أنظفَ ثورةٍ على الإطلاق إلى إذلالٍ علنيٍ للناس. عجبي كيف لم ينتفض الناس بَعْد على التعرّضِ لكراماتهم بالشكلِ الذي يحصل.

ليسَ بعيداً جداً أن نرى حَمَلَة فؤوس يصولون ويجولون في الشوارع . رسائل صوتية تحرّضُ على الجيش اللبناني. محاصرةُ البيوت. إقلاقُ راحة الناس. نبشُ حميمية الحياة الشخصية. تشهيرٌ في الإعلام. نشرٌ على صنوبر بيروت. تشويهُ السمعة. تدميرُ الصورة الشخصية. وعيد. بلاغات رقم واحد. كل ما يجري يوحي أنَّ " الثوار " ميليشيا منظمة بأذرعٍ جاهزةٍ للفوضى على مدارِ الساعة.

ماذا تَفعَل لو كُنتَ شخصاً شريفاً وأتى من يطردك من مجلسٍ عام؟ تُذعِنُ وتخرج تفادياً للإحتكاك. ليس مرجَّحاً أن يستمرَّ الحالُ على ما هو عليه.

ماذا تفعل إذا كنت موظَّفاً في مصرف وأتى من يكيلُ لك الشتائم؟ من يرفعُ بِوجهِكَ فأساً أو منشارَ حديد؟ بالأمس تمَّ طَردُ نائب رئيس مجلس النواب من مطعم خلال عشاء عائلي. رموزُ الدولةِ في مواجهةِ شبّانٍ رعّاعٍ ،حمقٍ ورِعانّ. صار واضحاً أنَّ المطلوبَ هو الإمساكُ بشرشفِ الطاولةِ وسحبهِ دفعةً واحدةً بكل محتوياته. أواني الكريستال ومملحة البلاستيك في سلّة واحدة. كلُّ شَيْءٍ يجب أن ينكسر. أمام مشهدِ الدمار تتصرفُ الدولةُ كالرجل المخنّث. على هذا المنوال سيسبقُ السيفُ العذل.

إطلاقُ يدِ الجيش والأجهزة الأمنية فوراً. مِن دون إجراءات رادعة وفورية سيشعر المخلُّ بالأمن أن التساهلَ مع فعلِه التخريبي نوعٌ من التشجيع عليه وغض الطرف عنه. سيحصدُ تعاطفاً من المترددين . سريعاً جداً سيتكاثرُ هؤلاء مزوّدينَ بشعورِ الشرعية. سيطورون الأسلوبَ والأدوات. قريباً ويصبحُ حرقُ صرافٍ آلي من يوميات " الثورة ". إقتحامُ خزنةٍ من الحقوق المكتسبة. محاصرةُ بيوت الميسورين وخطفهم مقابل فديةٍ من مستلزمات تغييرِ النظام. نشاهدُ كل ذلك يحدثُ في أقل من مِئة يوم. مثلنا مثل متزلّجٍ مبتدئٍ غادرَ المسار َالمسموحَ الى منحدرٍ ثَلجيٍّ ينتهي في وادٍ سَحيق. لا يُحسِنُ استعمالَ المكابحِ ولا مناصَ له من السقوطِ في الوادي. حراسةُ حدود المسار. زجرُ المتزلجين الحمقى من سلوكِ مسارِ الوادي. منعهُم من التزحلقِ فوق مصير الوطن.