"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

خطَّ رئيس الحكومة حسّان دياب أحرفه الأولى "واليًا" على الرئاسة الثالثة. منذ الآن، بات دياب رئيسًا أصيلًا قادمًا من بيتٍ غير مصنفٍ ضمن الفئات السياسية التقليدية لكن يمكن تصنيفه ضمن الكتائب الانتحارية التي ارتضت الإنغماس في مجالاتٍ متقدِّمة على خطوطِ "الموت". هنا مربط فرس التحدي إذ عليه أن يثبتَ جدارته في القيادة على طريقٍ لا تبدو للوهلة الاولى سالكة بل تشوبها الحفر والمنعطفات والمنحدرات والمنزلقات الخطيرة والقاسية.

المقرَّبون لـ "دياب" ينقلون عنه، أنّه يعشق التحدّي، أما رياضة "التزلج" فعلى الرغم من أنها لا تقع ضمن سلّم هوايته المفضلة لكنها تحتل مكانة هامة لديه قياسًا مع درجة التحمل المرتفعة والخوض في المجالات الخطرة التي يتمتع بها "المتزلج".

ويظهر، أنّ دياب قد خطى سريعًا خطواته الأولى نحو الخوضِ في المضمار. بالنسبة إليه، موسم قطاف الحكومة قد إنتهى على ما إنتهى إليه، ولا إستراحة رغم أنّ زمنَ التأليفِ قد استنزف قواه وأنهكه في مكانٍ، حيث أنّ الوضعَ اللبناني الراهن وتقلّبات الشارع لا يستسيغ ترفِ الإنتظار بل يقبل الخوض سريعًا في المجالات كافة والمنازلة - التحدي بالنسبة إليه تكمن في الخروج فائزًا.

على جدول أعمالهِ في المرحلة الاولى إجراء "نفضةٍ" على صعيدِ الوزارات كافة كي يبدأ العمل "على نضيف"، وقد منح وقتًا لكل الوزراء للمباشرة في وضعِ خططِ عملٍ على صعيد وزاراتهم بالتعاون مع إداراتها القائمة في ظرفٍ لا يتعدّى الشهر كحدٍّ أقصى بعدما وضعَ مهلة تنتهي اليوم من أجل إتمام مراسم التسلم والتسليم.

ويسجَّل للرئيس دياب، أنه سارعَ إلى الانتقال فور إصدار مراسيم حكومته من قصر بعبدا إلى مقر الرئاسة الثالثة في السراي الكبير والإقامة فيه مع عائلتهِ داخل الجناح المخصَّص للرئيسِ وأفراد عائلته، في سابقةٍ لم تحصل منذ أن أعلنَ الانتهاء من إعادة إعمار السراي وتحويله إلى مقرٍّ رسميٍّ للرئاسة الثالثة.

التشكيلة الحكومية الوليدة لا غبار عليها، رغم أنّ الرئيس دياب لديه بعض التحفظات والملاحظات الطفيفة، لكنه آثر المرور عنها وتجاوزها منعًا لإدخال تأخيرٍ إضافي وطمعًا في استيلادِ الحكومة سريعًا وعدم إفساح المجال أمام العراقيل كي لا تستدعي إستقدام عراقيل إضافية. في المحصِّلة، هي تشكيلةٌ "أكثر من الممكن" وتحوي النماذج التي يعوَّل عليها في خوضِ المنازلة الحكومية الكبرى، وهذا أكبر من سجله خلال مقابلاته معهم.

لكن دياب، وعلى الرغم من ظهوره بمظهر اللين أمام العدسات وبلاغته اللغوية والانشائية، لكن شخصيته ذات جينات سياسية معقدة وعملانية قاسية، فرئيس مجلس الوزراء لا يقبل جدول أعماله وزراء "كسلانين" أو آخرين يسعون خلف العرقلة، وهو اصلاً، أبلغهم بذلك حين التقاهم فردًا فردًا، وأوحى أنّه شخص يزاول أعماله بدقة متناهية، فلا مجال للتلهي خارج حدود الوزارة ولا مجال للنزاعات في الوزارات، والمطلوب "صفر مشاكل".

وأصلًا، رئيس الحكومة الذي أصرَّ على إجراءِ لقاءاتِ "عملٍ" مطوَّلة مع المرشحين للتوزير في سابقةٍ لم تعهدها الحكومات السابقة، كان واضحًا حين ألقى أمامهم رزم شروط تبدأ بإعلان الاستقلالية عن أي فريق أو حزب سياسي قولًا وفعلًا وإذا كان لدى المرشح أي ميول سياسية فمسموحٌ أن تبقى في بواطنهِ من دون التشهير أو الاعلان عنها، ولا تنتهي في الاشتراط على المرشح تقديم إستقالته في حال نكثَ بأيٍ من الوعودِ المقطوعة.

ولعلَّ أكثر من شدّد دياب عليه أمام من التقاهم من الوزراء أثناء فترة ترشيحهم، ممارسة استقلاليتهم بكامل درجاتها سواء داخل العمل الحكومي أو خارجه، ولم يخجل أمامهم من إصدار "أمرٍ" قضى بموجبه حظر انشطتهم السياسية من خارج الاجندة الحكومية ومن ضمنها عدم المشاركة في إجتماع أي من الكتل النيابية الموجودة، إلّا من خلال دعوة رسمية تبرر بمقتضيات العمل، يرفعها الوزير المعني إلى مكتب رئيس مجلس الوزراء للنظر بها.

بالإضافة إلى ذلك، أصدر دياب حرمًا حكوميًا قضى بمنع أن يكون أي وزير في الحكومة عضوًا في أي كتلة برلمانية، وهو موقفٌ جرى شرحه إلى المرشحين في أعقاب بحث إحتمالات توزيرهم خلال اللقاءات الثنائية التي أجراها دياب معهم، وقد أصدروا موافقاتهم عليه.

إذًا، نحن أمام تركيبةٍ حكوميةٍ مختلفةٍ، إن من حيث المهام أو على صعيد الشروط المرفوعة على عناصرها وإبعادها عن أي تأثير سياسي مباشر، أو في ما يرتبط بالمهام الملقاة على عاتق أفرادها، أو في حالة الركون إلى فحص طريقة مقاربة الرئيس حسان دياب في العمل، والتي يظهر للوهلة الاولى أنها مختلفة عن ما عهد في مجلس الوزراء.