"ليبانون ديبايت"- ملاك عقيل

لم يكن إجماع مجلس القضاء الاعلى على التشكيلات القضائية قبل أيام كافيًا لنقل "المسودة" من القضاء الى مرحلة التواقيع السياسية المطلوبة لخروجها رسميًا الى النور.

منذ صدور هذه التشكيلات ضربت قصور العدل هزات ارتدادية وصل مداها إلى قصر بعبدا وعدة مقرات سياسية، وبات الارتباك سيد الموقف بين القضاة، والمحادثات الساخنة عبر مجموعات "الواتساب" كافية لإعطاء فكرة عن الحدّة التي تحكم مواقف بعض القضاة المعترضين على التشكيلات وصولًا الى التلويح بالإستقالة والمطالبة "بإستجواب أعضاء مجلس القضاء الاعلى عن ثرواتهم وإنجازاتهم وميولهم السياسية"، كما قال حرفياً القاضي نقولا منصور.

المناخات العامة أوحت بإرتياحٍ كبيرٍ لأنصاف الكثير من القضاة وإجراء المناقلات بعيدًا عن الإملاءات السياسية إلا أن "النفي" غير المبرّر الذي تعرّض له بعض القضاة في مقابل تعزيز مواقع آخرين لم تتوافر فيهم المعايير المطلوبة لا يزال حتى الان يحدث صخبًا لا يبدو أنه سينتهي بسهولة في ظل توجّه وزيرة العدل ماري كلود نجم لإعادة التشكيلات إلى مجلس القضاء الاعلى لمزيد من الدرس.

ويبدو أن "ملاحظات" وزيرة العدل تتركز بشكلٍ أساس حول قضاة محسوبين على الفريق العوني وهمّ مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون بعد تعيينها مستشارة في محكمة التمييز، قاضي التحقيق الاول في جبل لبنان القاضي نقولا منصور الذي عيّن رئيس محكمة استئناف بعلبك، قاضي التحقيق الاول في الشمال سمرندا نصار التي عينت قاضي تحقيق، قاضي التحقيق العسكري مارسيل باسيل الذي عيّن مستشارًا في محكمة الجنايات، معاون مفوض الحكومة القاضي رولان شرتوني الذي عيّن مستشارًا في محكمة جنايات بيروت، رئيسة محكمة استئناف الجنح القاضية رولا الحسيني التي قدّمت إستقالتها بعد تعيينها رئيسة محكمة جنايات بعبدا الموقع الذي كان يشغله القاضي محمد مرتضى وتمّ تعيينه مكان القاضية الحسيني. وهو التبادل في المواقع الذي لم يرض الطرفين. وقد تطال الملاحظات قاضي التحقيق العسكري نجاة بو شقرا المتمركزة في المحكمة العسكرية منذ نحو عشر سنوات وقد عُيّنت نائبًا عامًا استئنافيًا في النبطية... ولعل السؤال الكبير الذي يُطرح حول مدى إستجابة مجلس القضاء الأعلى وإستعداده لإدخال تعديلات طفيفة أو جوهرية على التشكيلات الصادرة بالإجماع. يُعلّق أحد القضاة قائلًا "يبدو الامر شبيهًا بفيروس كورونا. فأي تعديل سيجرّ تعديلات أكبر، لتتفشى التغييرات على نطاق واسع يفتح باب المطالبات".

في المقابل، وبعد تقديم مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس طلب إنهاء خدماته من مجلس القضاء الاعلى وورود إسمه لاحقًا في التشكيلات قاضيًا ملحقًا في وزارة العدل، فإن المعطيات تفيد أن مجلس القضاء الاعلى سيقبل إستقالة جرمانوس لكن تفاديًا للفراغ تمّ تشكيله إلى وزارة العدل حيث سيبقى في مكانه إلى حين تعيين قاض مكانه وهو كلود غانم وفق ما ورد في التشكيلات.

وبالتزامن مع توجّه وزيرة العدل لإعادة التشكيلات برز مجددًا تحرّك لعدة مجموعات من الإنتفاضة تحت عنوان منع التدخل السياسي في القضاء اليوم الثلاثاء أمام قصر العدل. ويشمل "نشاط طوق النجاة" (لمحاسبة المصارف والسياسيين) كما تمّت تسميته سلسلة غير متلاصقة من المحتجين بينهم مسافة أمان (من ضمن الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا) لرفع الصوت "ضد محاولات المحاصصة المشبوهة في القضاء"، ودعم توجّه "مجلس القضاء الاعلى بإعتماد مبادئ الاستقلالية والنزاهة والكفاءة ونظافة الكف وتعيين القاضي المناسب في المكان المناسب"، مع التشديد على "حتمية إقرار قانون السلطة القضائية وتطهير القضاء من القضاة الفاسدين والمقصّرين".