ليبانون ديبايت - روني ألفا

أبو كيس " نْيو لوك " يُطارِد الإنسانيَّة هذه الأيام. المواطِنون والحكومات يَصنَعون اليَوم وهم يَختَبِئون مِن هذا الوَحش شكلَ مستَقبَلِهم في الإقتِصاد والسياسَة والثقافَة.

أيّ عالَمٍ يَنتَظِرُنا عَلَى مَفرَق " البَقّوسِه " بعدَ احتِواءِ الجرثومَة؟ اليَوم نعيشُ تحتَ المراقَبَة المُشَدَّدَة بِحجَّة العَدوى. الحكومات في كل العالَم تقمَع لِتُسمَع. في بعضِ البلدان تحمِلُ الشرطَةُ عِصِيّاً. مُخَوَّلَة بِضَرب ِ الناس على أقفِيَتهم إن هُم خالَفوا الحَجر. في لبنان حالَفَناالحَظ. ديمقراطيَّتُنا تتوقّف عندَ تسطير مَحضَر ضَبط ... حتى الآن.

بإسمِ الطّوارئ يمكنُ أن تتحوّل حَياة الشّعوب إلى أسوأ مِن تَهديد " أبو كيس ". خصوصاً في عالَمِنا العَربي حيثُ المؤقّت يتصِّفُ بالدَّيمومَة. بينَ خطَرِ المَوت ومَحضَر الضّبط نَختارُ محضرَ الضّبط ونشكُرُ مَن يسطِّرُه. بعدَها ربّما سنضطَرُّ على شكرِ المَحضَر حتّى مِن دون إقتِراف مُخالفَة.

أصلاً الإستثناء في حَياتِنا بدأ. صِرنا كلّنا مواطِنين أون لاين. أعمالنا. شركاتُنا. مؤسساتُنا التعليميَّة. منذُ شَهرَين كان مجرّد التّفكير بذلك حَماقَة. بأسوأ الأحوال سورياليَّة بوهيميَّة.

بإختِصار. بِحجَّة كورونا لَم يَعد كلّ مُواطِن خَفير. صارَ لكلّ مُواطِن خَفير.
التّكنولوجيا جعَلَت ذلك ممكِناً وممتِعاً. لَو هاجَمَنا الفيروس منذ عِشرين سَنَة فقَط لَما كاَنت حكومات العالَم قادِرَة عَلى مراقَبة إمتِثال الناس للتّدابير. كانَ عليها أن تنشُر مِئات آلاف الجنود لتحقيق ذلك. اليَوم هناكَ مِجسّات وأنظِمَة كومبيوتر متطوّرَة. جي بي أس. ساعات آبِلّْ. أدَوات تَعقُّب في غايَة الدقّة تعرفُ عَنك أكثَر مما تعرِف عَن نفسِك. ليسَ صَعباً أن تصبِح الدّاتا الخاصَّة بِك مُخَزَّنَة في اقرَب مركَز مخابَرات.

" أبو كيس " بألياف بصريَّة. مزوَّد بِ " واي فاي ". الصّين فَعلَتَها. الهَواتِف الذكيَّة المَحمولَة صارَت كلّها مَربوطَة بِذَكيٍّ واحِد. الحكومَة المَركزيَّة. لَم يَعُد تَخزينُ الدّاتا ضروريّاً على " الكْلاود " أي الغَيمَة الإفتراضيَّة. وجهُكَ. حرارَةُ جِسمِك. وزنُكَ. عِرقُك. الأمكِنَة التي ارتَدتَها. الأشخاص الذين التقَيتَ بهم. يَعني حياتُكَ مِن " طَقطَقِها " إلى " السّلامِ عليكُم " صارَت بِعهدَة رَجُل الأمن. تخيّلوا عالَم ما بعدَ كورونا.

سيعرِفُ الشّرطي مِن مكتَبِه حرارَة جسمِك. مِن أي حساسيَّة تُعاني. مِن أي سوبِرماركت تتبضَّع. قيمَة فاتورَة مشتَرياتِك. رقم حِسابِك. بالطّبع كلّه مُضاف على قدرَتِه الحاليَّة عَلى مراقَبَة إتصالاتِك وتتبّع صوتِكَ عَن بُعد وكَشفِ آرائِكَ ومشاعِرِكَ ومواقِفِكَ السياسيَّة وخِيانَتِكَ الزوجيَّة إذا حصَلَت. حكومات إبتِزاز المواطِنين تَنتَظِرُهَم بعدَ نَجاح الكَمين الذي ينصبُهُ العلماء لأبي كيس.

تخيّلوا حكومَة تعرِفُ عنكم أكثَر ممّا تَعرِفون عن أنفسِكُم. تَبيعُكُم الإحلام التي تُناسِبُكُم. تصوِّرُ لَكم النّظام السياسي الذي يُعجِبُكُم. تجرُّكُم إلى انتخابات تظنون فيها أنكم تَقترِعون فيما الحَقيقَة أن الحكومات تقترِعُ عليكم.
أغلب الظنّ أن مرحلة ما بعد كورونا ستكون معرَكَة حِمايَة خصوصيّة الأفراد لا معرَكَة حريّاتهم. مواجَهَة الإبتِزاز الرسمي والبوليسي. الصّحافَة والأحزاب مدعوّة للإنخِراط في المواجهَة. لا يمكنُ أن تصِل المجتَمعات بعد كورونا إلى تَخيير الناس بينَ حِمايتِها مِن الأوبِئَة وبينَ إغتِصاب حياة الناس الشخصيَّة. سيكون وَباء القَمع أكثَر إيلاماً مِن الفيروس.

نحنُ نتّجِه على الأرجَح إلى " بَولَسَة " الأنظمَة الديمقراطيَّة تحتَ سِتار الحِمايَة والرعايَة والوِقايَة. تَجهيل الجَماهير سيكون الأداة. إرهابُها. تَخويفُها وتَحذيرُها بَدَل تَثقيفِها وإعلامِها وتَعليمِها. فَقَط عِندما تَكون أفعالُ الإنسان صادِرَةً عن قَناعَتِه يكونُ إنساناً حرّاً. حتّى الحريَّة عندَما تجبِرُكَ السلطَة عَلى ممارَسَتِها تصبِحُ جَوراً وقَهراً وإكراهاً. الحريَّةُ بالإكراه هي عبوديَّة. مِن يفرِضُها على هذا النّحو يَكونُ جلّاداً. مَن تُفرَضُ عليه يَكونُ عَبداً.

يَجِب أن نناضل مِن أجل مجتَمَع معرِفَة. لا مِن أجل مجتَمَع جَهالَة. مجتَمَع منفَتِح، متَعاوِن ومتّصِل. لا مجتَمَع مغلَق. نتغلّب على الجراثيم لأننا بشَر بِقلوب وضمائِر وعقول. هذا ما يميّزنا عن الجَراثيم. علينا ألا نقحِم السياسَة في الطبّ. المنافسَة التجاريَّة بالصحّة. الإنتقام بالأبحاث. ما يحقّقه الباحِث في الصين يَجِب أن يَكون مُتاحاً للباحِثِ في نيكاراغوا والعكس. عَولَمَة جديدَة يمكِن صياغتها إذا أحسنّا إستِخراجَ العِبَر مِن كورونا. " أبو كيس " ليسَ قَدَراً. فلنَنصِب لَهُ كَميناً وننتَهي مِن هذه الخرافَة.