"ليبانون ديبايت" - نعيم كسّاب
من أكثر المقالات سطحيةً في التحليل وافتقاداً للمعلومة والتي وقعت عليها في الفترة الأخيرة، مقال في جريدة "نداء الوطن" كَتبه آلان سركيس.
لن أطيلَ بالجمل الانشائية، سأدخل فوراً بصلب الموضوع.
يجهد المقال للنيل من سمعة "الكتائب" ورئيسها مستعيناً ببعض التفاهات التي حاول أن يلبسها بعض الجدّية بدءاً بالصورة التي زيّن بها مقاله التي تجمع رئيس الكتائب ببعض نواب "التيار" وانتهاءً بتمريره أنّ "الكتائب" حاورت حزب الله بواسطة ايلي ماروني ليوحي أنّ الكتائب ورئيسها تفتقد المصداقية.
لننهي هذه السخافة من أوّل الطريق، الصورة تعود الى ما قبل انتحاب الرئيس عون وهي بمناسبة عشاء اجتماعي في منزل صديق رئيس الكتائب الشخصي وخصمه في السياسة النائب آلان عون، ونزيد عليها لمن يرغب الكثير من الصور الأخرى لرئيس الكتائب تجمعه مع أخصامه السياسيين من كل الأحزاب والتيّارات.
لكنّ "الكتائب" كانت طوال تاريخها تعرف كيف تفصل بين الصداقات الشخصية والالتقاء والتحاور مع أخصامها، وبين الثبات على مواقفها، لذلك قصُر المقال بل عجز عن الإتيان بأي انتقاد للكتائب على موقف سياسي واحد، كما دائماً انتقاد وتهجّم بالشخصي ولكن لا شيء بالمواقف السياسية، في مقال يفترض أنّه ينتقد حزباً سياسياً لم نجد أي كلمة عن أيّ موقف أو فعل سياسي لسامي الجميّل.
إنّ "الكتائب" رغم علاقات الصداقة الشخصية أمتنعت دون أيّ حرج عن تأييد سليمان فرنجية كمرشّح للرئاسة وطبعاً كانت الوحيدة التي وقفت في وجه موجة التسوية وعارضت انتخاب الرئيس ميشال عون حتى النهاية.
يقول المقال أنّ "الكتائب" كانت جزءاً من "14 آذار" وشاركت بالحكومات، ومن قال العكس؟ لكنّ مشاركتها برفقة فرقاء "14 آذار" في الحكومات التي عدّدها المقال كانت في الفترة بين 2005 و2015 في إطار الصراع مع حزب الله، ولمنعه من وضع اليد على البلد وحيث كانت الحكومات تتشكّل إمّا بأكثرية معارضة لحزب الله أو في أحسن الحالات لحكومات لا يملك فيها الحزب مع حلفائه إلا ثلثاً معطلاً، وهذا يختلف عن حكومات ما بعد التسوية الرئاسية التي شاركت فيها "القوات" والتي عُرفت بأنّها حكومات حزب الله بإمتياز حيث كانت حصته مع حلفائه فيها تتراوح بين 18 و19 وزيراً من أصل 30.
إن التسوية الرئاسية التي تباهى بها أصحاب كاتب المقال والقانون الانتخابي الذي اختلف كلّ من القوات والتيّار على أبوّته، وعارضته "الكتائب" وحدها، سلّما (التسوية والقانون) البلد الى حزب الله إذ أمّنا له بين 70 و72 نائباً مسيطراً على السلطتين التشريعية والتنفيذية، هنا يكمن الخطر وليس في مطالبة "الكتائب" بانتخابات نيابية مبكرة كما أشار المقال.
"الكتائب" كرّرت عدّة مرّات أنّها تمثّل فكر "14 آذار" السيادي وتتمسّك به وحيدة للأسف، وهي الوحيدة التي بقيت مخلصة لهذا الفكر حتى اليوم فيما تخلّى عنه الآخرون كي لا نقول خانوه وخانوا شهدائه عندما استسلموا وانتخبوا مرشّح حزب الله الى الرئاسة، وعلى أصحاب هذه الفضيحة السياسية الموصوفة أن يستحوا من فعلتهم ويستتروا ويكفّوا عن ذرّ الرماد في عيون مناصريهم.
وفي معزوفة مملّة وممجوجة يردّدها "المحبّون" دون جدوى، يتخيّل صاحب المقال فيما يشبه التمنيّات المكبوتة أن "الكتائب" في حال ضياع وانحسار ويتصوّر حالات امتعاض في صفوف بعض الكتائبيين، رافضاً التصديق أنّها في حالة تمدّد وأنّها لم تكن يوماً منسجمة مع نفسها ومع شعبها وشارعها كما هي اليوم، وهذا ما مكّنها من لعب دورها في الثورة الأخيرة وفتح أبواب بيتها المركزي أمام الثوّار ليتحوّل الى بيت الشعب الحقيقي، ورافضاً التصديق أيضاً أن الكتائبيين فخورون بحزبهم وبمواقفه ويشاركون بثورتهم رافعي الرأس لأنّ حزبهم بمواقفه منذ سنوات مهّد الطريق لهذه الثورة ولاقاها دون حرج.
ولإنعاش ذاكرة البعض، "الكتائب" شاركت في حكومة الرئيس سلام "المتوازنة" على أساس التحضير للانتخابات الرئاسية، وبعد انقضاء مهلة الانتخاب، وبغياب رئيس للجمهورية شرعت تلك الحكومة باتخاذ قراراتها وفق بدعة الاجماع وإعطاء حقّ الفيتو لكلّ طرف مشارك فيها، استغلّت "الكتائب" ذلك لمنع أي تجاوز أو صفقة ومنها معارضة التمديد لشركة سوكلين وانفجار أزمة النفايات مما دفع بالحكومة الى تعديل مبدأ الفيتو الممنوح لأي طرف وحده وجعله مشروطاً بطرفين، ليتخطّى فرقاء الحكومة معارضة "الكتائب" المزعجة ويحوّلوها الى شاهد زور، فكان القرار بالانسحاب من الحكومة دون أيّ تردّد وحيث لم يجرؤ الآخرون في حكومات حزب الله اللاحقة إلا بعد اندلاع الثورة، لقد تبيّن أن وصول سامي الجميِّل الى رئاسة الحزب سبغ على الحزب العريق أسلوباً جديداً في التعاطي السياسي مهّد، بتراكم مواقفه المنبّهة والمحذّرة من النهج الفاسد في إدارة البلاد المؤدّي الى الانهيار الشامل، الطريق للثورة التي تبنّت مطالب لطالما كان يردّدها وحيداً، ومنها الانتخابات النيابية المبكرة التي كان الدكتور جعجع قبل الثورة قد سخر من مطالبة الجميّل بها ليعود لتبنّيها عن غير اقتناع على ما يبدو من مقالك.
هذه الاستقالة من حكومة الرئيس سلام كانت الأكثر أهمية في تاريخ الكتائب الحديث، فلماذا قفز مقالك فوقها وتجاهلها سيّد سركيس؟ لقد كانت تخلياً عن حصّة ذهبية في حكومة كانت كلّ الظروف السياسية توحي أنّها باقية الى ما شاء الله، لم تكن خطوة تكتيكية وعادية بل خطوة في مسار بدأت محطاته مع وصول سامي الجميّل الى رئاسة الكتائب بأسلوب جديد مهّد للثورة ووضع الكتائب في قلبها وهذا ما يحرق قلوب "الحلفاء"، فمثير للسخرية وللضحك الزعم انّ الكتائب لم تشارك في حكومة العهد الأولى لأنهم عرضوا عليها وزارة دولة بدل وزارة الصناعة، أيّ قليل عقل يصدّق أنّ حزباً يلبط 3 حقائب وزارية ليستعطي لاحقاً حقيبة وزارية واحدةً فقط؟
نعم شاركنا بالسلطة وكنا شجعان في الخروج منذ 4 سنوات وليس كما فعل غيرنا متمسكاً بالحكم ومشاركاً في كلّ القرارات التي أوصلت البلاد الى الانهيار الحالي، رافضاٍ التعلّم من تجربة الكتائب، واصفاً "حليفه" بالمعارضة الهبّالة معلناً من الخارج قبل أيام من اندلاع الثورة أنّ الخروج من السلطة كما فعل غيرنا عبث وإذا كان غيرنا بمعارضته لا يفعل شيئاً لا لزوم أن يدعونا للمعارضة لنصبح اثنين لا يفعلان شيئاً، لكنّه بعد اندلاع الثورة وتبيان خطأ حساباته سارع الى الاستقالة والالتحاق بمعارضة لم يكن يتوانى عن وصفها بالهبّالة.
يقول كتائبي عتيق، انّ أكثر ما يستأهل صفة الهبل وقتها لم يكن موقف الكتائب المعارض بل هو وثيقة معراب الشهيرة والتسوية الرئاسية التي نتجت عنها وسلّمت البلد الى حزب الله، تلك الوثيقة التي وقّع طرفيها دون خجل على اتفاقية محاصصة نعم محاصصة مكتوبة (لم يكن ينقصها الا مصادقة كاتب عدل) للمناصب والمواقع الوزارية والنيابية والإدارية في سابقة خطيرة لم تعرفها السياسة اللبنانية من قبل. وثيقة معراب بأوراقها السرّية المفضوحة أتاحت لتيريز الذكيّة أن تأكل كل الكاتو، بل أن تأكل الطُعم و..... على الصنارة، مستهبلةً كلّ الذين عملوا عليها لاسيما الأفلاطون الذي وقّع على تلك الوثيقة التي وصفت حينها بالتاريخية.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News