"ليبانون ديبايت"- ملاك عقيل
في جلوسها أمام ممثلي المجتمع الدولي ماسكة طرفي الحلّ الانقاذي بين صندوق النقد الدولي وأولياء "سيدر" تُحاصَر الحكومة أكثر فأكثر بألغام الداخل. بإعتراف أهل السراي "تتجاوز العقد الداخلية و"شربكات" الحسابات السياسية المرتبطة بها دقة وخطورة ما ينتظر لبنان في تفاوضه مع المجتمع الدولي. أقلّه المُفاوض الخارجي يقول ما لديه بصراحة ويتحدّث من دون قفازات، أما أجندة بعض القوى السياسية في الداخل فأخطر بكثير!".
بعد انقضاء مدّة مئة يوم على نيل الحكومة الثقة تتوقع دربًا أكثر سَلاسة ووضوحًا في تلمّس طريق الانقاذ والتعافي في التعاطي مع صندوق النقد والدول المانحة في مقابل الألغام التي تزرع أمامها. والأمثلة كثيرة لا تبدأ بالتعيينات "المُكربَجة" ولا تنتهي بالصراع الأزلي في ملف الكهرباء والذي اشتدّت وطأته بعد إسقاط معمل سلعاتا الكهربائي في مجلس الوزراء، إضافة الى الاتصالات حتى بعد إقرار استرداد الدولة القطاع الخليوي وملفات تفرّخ كالفطر لا يستشمّ منها سوى مشاريع "مشكل" على طاولة الحكومة.
لن يكون بوارد الرئاستيّن الأولى والثانية تظهير عمق الخلافات التي تطبع توجّه الرئيسين ميشال عون وحسان دياب في بعض الملفات على رغم الكلام المعسول الذي يُقال فوق السطوح على خط بعبدا-السراي والذي لا يُصرَف حين يحضر النقاش في التفاصيل.
التعيينات المالية الأخيرة وأزمة تعيين محافظ بيروت والاستغناء عن معمل سلعاتا تكاد تشكّل بذور تباعد رئاسي قد يحكم آخر الولاية الرئاسية لعون ويُترجم بشكل أوضح على خط التوتر العالي بين رئيس الحكومة والوزير جبران باسيل. في السياق نفسه، يقول وزير في الحكومة الحالية "الحكومة تُصارع نَهج عمل حَكَم المرحلة السابقة الذي له رموزه داخل وخارج الحكومة، ويُمكن تلقائيًا توقّع حجم "وجع الرأس" والعراقيل التي ترتفع أكثر في ظل وجود وزراء يديرون أذنهم لمرجعياتهم!".
على هامش هذا الواقع، يجزم العارفون في خفايا "الإدارة السياسية" للمرحلة الحالية بأن حكومة حسان دياب "مشلّشة" حتى آخر العهد لسببين أساسيين: هي تُمسك بيديها إدارة التفاوض مع صندوق النقد وتوقيع الالتزامات معه كما مع الدول المانحة ضمن "سيدر" وذلك بوَصفها حكومة التكنوقراط المضادة لتركيبات العقود الماضية المسؤولة فعليًا عن كارثة الإفلاس، وهي حتّى الان تحظى برضى دولي على أدائها يترواح بين عدم "التهجّم" عليها وصولًا الى الثناء والثقة بمسارها. وجانب من هذه الثقة يتطلّب التعامل مع حكومة "النَفس الطويل" وغير المتأرجحة على خطّ تماس السقوط بأي لحظة.
السبب الثاني تيقّن الجميع تقريبًا، باستثناء من يربط مصلحته السياسية بسقوط الحكومة، بأن استقالتها لن تجرّ سوى لفراغ قاتل، وحتى أخذها وضعية حكومة تصريف الأعمال لن يكون جائزًا في ظل مفاوضات تاريخية ومصيرية تخاض مع المجتمع الدولي".
المؤتمر الصحافي الأخير لباسيل فتح جبهات متعدّدة مع قوى موالية ومعارضة، واستدعى ردودًا بالجملة، مع العلم أنه فَتح باب التبريد بمطالبته بـ "خطوات تفاهمية لتحصين الانقاذ"، لكنه لَعب على وتر السراي الحسّاس بكبس زر "الإعادة" لملاحظات قاسية تحت عنوان "نقاط الضعف" وجّهها للحكومة في اجتماع بعبدا الأخير، ثم عمّمها على كافة الوسائل الاعلامية، ليعود مجدّدًا ويفنّدها في مؤتمره الصحافي ويخلص الى الدعوة، عكس ما ورد في خطة الحكومة، الى "اعتماد سعر حقيقي وموحّد للصرف"، و"الى عَدم تخسير المصارف كل شيء من موجوداتها، لأن الناس سوف تخسر ودائعها"، مذكّرا قيام لبنان على نظام اقتصادي حر، في تبنٍ واضح لخطاب مهاجمي الحكومة في هذا السياق، ومصوّرًا الحكومة في موقع العداء للمصارف، تمامًا كما في موقع الذاهبة باتجاه الاقتطاع من ودائع المودعين حين يعلن رفض "التيار الوطني الحر" المسّ بأموال هؤلاء.
كلام باسيل لا يعكس سوى الجزء الظاهر من تعدّد اللغات داخل الفريق الحكومي الواحد وهو الأمر الذي اشار اليه أمس الرئيس سعد الحريري الذي لا تزال معارضته منضبطة وتحت السقف. أما الخطة الحكومية فتتأرجح بين شقوفين: ضعف المناعة الداخلية في التفاوض مع الخارج، ووجود بنود داخل الخطة سهلة الاستهداف من جانب صندوق النقد الدولي.
في هذا السياق، تؤكد مصادر مطلعة على جولات التفاوض الأولى مع صندوق الدولي وما سبقها من تواصل بين الجانبين بأن "ممثلي الصندوق ليسوا راضين عن أكثر من "رقم" في خطة الحكومة ومن الملاحظات الأولية مثلاً ما ورد في الخطة أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ستنخفض من 179% حاليًا إلى 103.1% في 2024، فيما برز توجّه واضح لدى صندوق النقد بتخفيض للدين يصل الى حدود 70%. وكان الجواب اللبناني بأن هذا التوجّه يؤذي المصارف وهذا ما تتجنّبه الحكومة في الوقت الذي تنهال فيه الشتائم عليها من المصارف".
وفي سياق الاتهامات المتكرّرة لرئيس الحكومة بتنفيذ أجندة مشتركة مع العهد وباسيل يقول قريبون من دياب "ملف سلعاتا نموذج عن الفلسفة التي يعتمدها رئيس الحكومة وقد يكون ذلك كفيلًا بتوضيح الصورة، مع العلم أن توجّه الحكومة في سياق بناء المعامل يتماهى مع توجّه الغالبية العظمى من الرأي العام ومتطلّبات الجهات الدولية المموّلة، فيما فئة حزبية هي "التيار الوطني الحر" تتمسّك فقط بهذا الخيار".
بالمحصّلة، لا تشعر الحكومة بالتأكيد أن ظهرها محميًا في الداخل. الأخصام كثر، وبعضهم لم يقصّر في التلويح بزعزعة التضامن الوزاري داخلها، فيما يبدو حزب الله الطرف الأكثر التزامًا في الوقوف الى جانبها. هنا تسمع تعليقات في كواليس القريبين من الضاحية "بغضّ النظر عمّا ألزمت الحكومة نفسها به من إنجازات خلال مهلة السماح، فإنها تعمل وسط حقول ألغام حقيقية وإنجازها الأهم يكمن في أنها صمدت خلال المئة يوم، وهي تفتقر الى دعم لا تزال تحجبه الحسابات الضيقة والمصلحية ممّن يفترض أنهم من داعميها".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News