"ليبانون ديبايت" - علي الحسيني

على الرغم من حجم المآسي التي خلّفها إنفجار المرفأ في الأرواح والأرزاق، إلّا أنه رسم معالم خارطة طريق جديدة للسياسة في لبنان، بالإضافة إلى وضعه محاذير بالغة الخطورة في طريقة تعاطي السياسيين مع الأزمات من الآن وصاعداً، خصوصاً عقب التهديدات الخارجية التي كانت وما زالت تلوّح بتدويل الأزمة اللبنانية، الأمر الذي يعني نزع قرار التحكّم بالعباد والبلاد، من يد المجموعة الحاكمة اليوم.

في المشهد العام، يبدو أن ثمّة أمور كثيرة ذاهبة نحو التغيير أبرزها النمط السياسي الذي كان سائداً قبل الرابع من الحالي، ونزع حالة التفرّد والتسويّات من يد أصحاب الزعماء خصوصاً بعد حالات التضعضع والضياع التي أصابتهم، نتيجة المواجهة العنيفة التي يخوضها اللبنانيين ضد الطبقة الحاكمة، ورفع سقفها للمرّة الأولى من خلال المطالبة بقوّات أممية تُشرف على التحقيقات، إضافة الى مُحاسبة المسؤولين والمقصّرين، وتعليق مشانقهم.

هذا المشهد الذي انعكس على الحالة السياسية، بدأت ترجمته منذ هبوط طائرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على مدرج مطار رفيق الحريري، والذي جرت متابعته بعد مغادرته مع عدد قليل من السياسيين لعل أبرزهم رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط.

في المعلومات أن ماكرون اتصل خلال اليومين السابقين بجنبلاط لإجراء عملية عن بعد الهدف منها جسّ نبض "البيك" في مسألة عودة الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة.
واللافت جواب جنبلاط لم يكن مع أو ضد، علماً أنه كان وما زال ميّال، لشخصيّة بعيدة عن كل هذا الطاقم السياسي، مفضلاً منح الحريري نفسه مزيداً من الوقت قبل العودة لعدة أسباب أبرزهما: التفرّغ في الوقت الحالي لقرارات المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ثانياً وهو الأهم، أن التجارب معه خلال السنوات الثلاث الماضية، لم تكن مُشجّعة من كافة النواحي.

كما تُشير المعلومات إلى أن جنبلاط طلب من رئيس حزب "القوّات اللبنانية" سمير جعجع من خلال موفده النائب أكرم شهيّب الذي زار معراب منذ أيّام، التلاقي عند اتفاق يقضي بتقديم استقالات جماعية لنوّاب "القوّات" و"التقدمي"، إلّا أن جعجع كانت لديه شروط أبرزها الإبقاء على القانون الإنتخابي الحالي، الذي من خلاله استطاعت "القوات اللبنانية" تأمين كتلة وازنة داخل المجلس النيابي، وأن جعجع ليس بوارد التخلّي عنها خصوصاً في هذا التوقيت السياسي والشعبي الحرج.

كذلك الأمر فاتح جنبلاط الحريري بالدعوة إلى استقالات من المجلس النيابي، إلا أن جواب الحريري كان مُماثلاً لجواب جعجع، مع إضافة أنه غير مستعد في ظل المشهد السياسي المُربك، الدخول في التحضير لانتخابات جديدة. والأبرز بحسب المعلومات، أن الحريري يُبدي مرونة كبيرة تجاه عودته الى رئاسة الحكومة، خصوصاً وأنه مطلب أساسي للثنائي الشيعي والذي يرى بطرح السفير نوّاف سلام، استهداف اميركي ما بعده استهداف لسلاحه، ولتمثيله السياسي داخل مؤسّسات الدولة.

في جميع الأحوال، فإن إنقشاع الرؤية لما يجري في الكواليس السياسية، لم يعد مُستعصياً كما كان قبل تفجير المرفأ. اليوم هناك إشارات محليّة وخارجية على حركة السياسيين وما يدور في مجالسهم، تماماً كما الإشارات الواضحة الموضوعة على الأبنية والمنازل المتضرّرة في الأحياء والتي بحاجة إلى إعادة بناء أو عمليّات ترميم. ولعل الأبرز في هذه الكواليس أنها انتقلت الى العلن بعد الكوابيس التي عاشها كل الطاقم السياسي الموجود، نتيجة اهتزاز بنيانهم الذي ترافق مع اهتزاز بتاريخ 4/8/2020 عند السادسة وبضع دقائق بتوقيت فسادهم وإنهيارهم.