"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

القول أن الكيان في خطر لا يرقى إلى اختراع البارود. القول أن الخطر يتضمّن الإقتتال الطائفي وعودة التذابح على الهوية فيه شيء من ذلك. الطائف حقننا بنوع غريب من البنج ونزَعَ من تلافيفِ دماغنا الوطني إحتمال عودة هذا الشكل المخيف من الإقتتال. الآن زالَ مفعولُ البنج وأطلّ هذا الوحشُ المفترس علينا من جديد. نامَ نومةَ أهل الكهف. غفى غفوةَ الدب القطبي وصحى جائعاً لِلُحومِنا. أولى مظاهر مجيئه البغاءُ الكلامي. الكلمةُ ملاكٌ حارسٌ للموالفة بين الناس لكن يمكن أن تتحول الى مومس في بيتِ دعارةِ السياسة أيضاً. الكلمة تحيي والكلمة تقتل.

ما عليكم سوى تصفّح وسائلِ التقاصف الإجتماعي. المشهدُ مخيف. حربُ شوارع حقيقية بين الناس تستعيد عنتريات القبضايات الذين زرعوا فينا منذ أيام الحرب الرعب وقَتلونا كما يقتلُ الذبابَ الصبيةُ على الشبابيك. الحقد على غبائه أشد فتكاً من الصواريخ الذكية. مشهدية حربية تقصف بسلاح ديني مزوّر متطور وترمي قنابل عنقودية طائفية وتنمّي الحقد ليس إلا. الحقد أول فتيل إشعال للحرب. متى يخرج الحقد عن طوره يتحوّل الى وحش.

لاحظوا أيضاً كيف تدخل الفوضى إلينا. تدخل بالتقسيط المريح وعلى جرعات. حادثة في خلدة على خلفية تعليق صورة. أخرى في طريق الجديدة ثم أخرى في ميرنا الشالوحي. قبلها قبرشمون. بعدها كفتون . بينهما صحوة خلايا داعشية نائمة. إتهامات متبادلة بالتسلّح. تدمير منهجي لهيبة القوى الأمنية وشيطنتها. شارع ضد شارع. إسقاط لشرعية المؤسسات. إهانة رموز الدولة. دخول رجال الدين على خط المناوشات الكلامية. تدخلات خارجية لتأجيج الصراع الداخلي ثم الكرزة فوق قالب الحلوى: الفقر والبؤس والعوز والبطالة وانهيار تدريجي لمؤسسات الحماية الإجتماعية. العوارض واضحة. لبنان مصاب بحمّى الحرب الأهلية. لا ينقصنا سوى تظاهرة صيادي فُرَص دفاعاً عن حقوق صيادي سَمَك.

معبر جديد للفوضى تخوين الشيعة في هذه الآونة. يتولى ذلك رجال دين ولو عن غير قصد ربما وبمؤازرة حزبية. قبلها كان الموارنة في الخانة عينها. جنس عاطل قيل عنهم. وقتذاك وقف الشيعة ضد القول والقائل. منذ يومين صدر موقف من بطريرك الموارنة في لبنان وسائر المشرق غير مسبوق. الكلام يوازي طرد طائفة بأكملها من البيت اللبناني. تعريض الشيعة الى النفي الوطني انتحار مسيحي موصوف. لم ينفع تحليق القوات الإعلامي فوق بكركي في حماية الصرح من تداعيات هذا النفي. سبق السيف العذل. شيءٌ ما انكسر. ترميمه يحتاج الى أكثر من اعتذار. لبنان صيغة طائفية قابلة للكسر. صيغة من كريستال برّاقة إنما يجب أن توضع بعيداً عن متناول من لا يجيدُ العناية بها وتلميعها. مرة جديدة يلعب المسيحيون بمنزلتهم المعنوية الكبيرة لدى الشيعة وغير الشيعة. كل ذلك بسبب بطولات أقل ديمومة من بطولات قصص ما قبل النوم للأطفال.

المواقف التي صدرت عن بكركي ستزيد أيضاً من الشرخ المسيحي المسيحي. المساس بالتوازن الطائفي في لبنان يُفقِدُ التوازنات داخل كل طائفة أيضاً. يعني تحلّل لكل أنسجة العلاقات بين الطوائف وداخل كل طائفة. هذا بالتحديد ما يمكن أن يُحدِثُه الكلام هذه الأيام. بيان المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى كان نارياً. في هذا الإنزلاق العمودي للسبب والنتيجة نفقدُ لغة الله في مخاطبتنا لبعضنا البعض ونستجلبُ لغة الشيطان.ماذا ننتظر من الرعية عندما يتجه رعاتها الى المهوار؟ أن ترمي بنفسها زرافات ووحداناً في هذا الفراغ أقل ما يُمْكِن توقُّعُه. اللهم إلا إذا اهتدى عصا الراعي الى صخرة بطرس ليبني عليها بيعَته الجديدة.