"ليبانون ديبايت" - وليد خوري

كما البلبلة والارباك على صعيد التكليف والتشكيل قبل الاستشارات المنتظرة مبدئياً يوم الخميس، كذلك الامر على صعيد الجبهة الداخلية اللبنانية فيما خصّ عملية التفاوض غير المباشر مع اسرائيل حول ملف ترسيم الحدود البحرية بين الدولتَين، وسط اختلاط وتشابك السياسي بالصلاحيات الرئاسية، في ظلّ قطبة مخفية أخرجت أرنب التفاوض الى الواجهة في لحظة محشور فيها الجميع في الزاوية.

واذا كانت تسمية اعضاء الوفد من قبل رئاسة الجمهورية، قد اثار "ريبة" حزب الله، بعدما نفض رئيس مجلس النواب يده من الملف، قاذفاً بكرة النار الى ملعب بعبدا، فإن بيان رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب قد جاء ليزيد الطين بلة في مسألة الصلاحيات، والتي شكّلت منذ اللحظة الاولى تحدياً داخلياً حول من يريد لرئيس الجمهورية ان يقود التفاوض استنادا الى المادة 52 من الدستور، مع ما يعنيه ذلك من ان ما سيتم التوصل اليه في المفاوضات سيكون اتفاقية دولية، وبين وجهة نظر حارة حريك، الجازمة، بأنه يتوجب على الرئيس عون التفاوض انطلاقاً من المادة 49، اي بوصفه القائد الاعلى للقوات المسلحة ورئيساً للمجلس الاعلى للدفاع. بهذه الصفة فإن ما سيتم التوصل اليه سيبلغ به لبنان الامانة العامة للامم المتحدة دون ان يكون له مفاعيل الاتفاقية الدولية. فلصالح من، وحشراً لمن اقدم رئيس الحكومة المستقيل على المبادرة الى فتح مواجهة مع الرئاسة الاولى؟ وتالياً هل هي رسالة بعد ان ضمّ الى الوفد رئيس هيئة ادارة قطاع البترول في لبنان وسام شباط؟

في كل الاحوال بدا واضحاً منذ الجمعة الماضي ان ثمة رفضاً من قبل حزب المقاومة لمجموعة نقاط ابرزها:

-اعتراض وتحفّظ كامل على اعتبار اتفاق الاطار الذي اعلنه الرئيس بري ورحب به الرئيس عون، كقاعدة للتفاوض، خلافا للموقف الاميركي الواضح بأن المطلوب ترجمة اتفاق الاطار الى "نتائج ملموسة"، وفقاً لما ادلت به السفيرة الاميركية في لبنان بوضوح.

-اصرار حزب الله على تشكيل وفد ثلاثي حددت الحارة اسماء اعضاءه من كل من العميد الركن الطيار بسام ياسين رئيساً، العقيد الركن البحري مازن بصبوص، والخبير في القانون الدولي نجيب مسيحي، الذي سيقدم خدماته مقابل بدل مادي، و"نقطة على السطر" بحسب "الناطق" بإسم الحارة، الذي وجه اتهاماً مبطناً لكل من "الاستيذ" و"الصهر" الذي تحرك في اروقة بعبدا لضم سياسيين للوفد، بالخضوع لارادة الاميركيين خوفا من العقوبات.

مع الاشارة الى ان شباط كان مرفوضاً بشكل كامل من قبل حارة حريك، وكذلك ضم اي ممثل من وزارة الخارجية، والاهم انضمام مدير عام رئاسة الجمهورية، الذي كان سيصبح حكماً رئيساً للوفد نظراً لتقدمه بالرتبة، وهو امر "من سابع المستحيلات" بالنسبة لحزب الله.

وهنا لا بد من ذكر سؤال اساسي طرحته الحارة، لماذا ضم عضو هيئة قطاع البترول الى الوفد طالما ان المطلوب ترسيم تقني للحدود؟

وتكشف المعطيات ان الحدود البحرية هي من مهمة وزارة الطاقة الاسرائيلية، من هنا كانت الصيغة الاولى للوفد الاسرائيلي تشمل وزير الطاقة رئيساً، الا ان اتصالات مستشار رئيس الجمهورية، طوني حداد الذي لعب دوراً اساسياً في الفترة الماضية، في العاصمة الاميركية، اثمرت تخفيض تل ابيب لمستوى تمثيلها.

إلّا ان اهم ما تكشفه المعلومات، ان حزب المقاومة كان مرتاباً منذ اليوم الاول من مفاوضات الرئيس بري، لذلك عمد الى فتح قناة تواصل مع قصر بعبدا موازية، انطلقت من دراسة اعدتها لجنة عسكرية باشراف قائد الجيش منذ عشرة اشهر، (لم يحدد الرئيس بري موعدا لها لعرض ما توصلت اليه امامه، وهو ما ستفاوض على اساسه)، والاهم ان الحزب انتدب للمهمة مديراً عاماً سابقاً مفصول من حركة امل ويشكل حساسية خاصة للاستيذ، والذي شكل مفاجئة، خصوصاً انه اطل ليعلن عن نفسه اعلامياً، ممارساً "ضغطاً معنوياً" على رئاسة الجمهورية محاولا التاثير في قرارها، معتبراً ان وجود اي شخص في عداد الوفد من غير العسكريين والخبير مسيحي، هو رضوخ للمشيئة الاميركية، متهماً رئيس المجلس بإخفاء نقاط اساسية من اتفاق الاطار واصفاً اياها بالخطيرة جدا.

الجميع في انتظار الجلسة الاولى، التي سيخرج منها الاميركي "غانما" صورة لازمة لانتخابات الثالث من تشرين الثاني، في مقابل اسرائيل التي بدات منذ 23 الشهر الماضي فض عروض الاستكشاف لحقل "كاريش"، الذي يمر الخط الذي سيعتمده المفاوض اللبناني فيه.

اما لبنان فسيكون الخاسر الاكبر، لان سياسة تمرير الوقت لن تنجح هذه المرة وستنقلب خسارة كبيرة، خصوصاً ان الاميركيين قد وضعوا مهلة زمنية محددة بستة اشهر لانجاز الاتفاق.

هكذا اذاً يمكن الاستنتاج بناء لكل ما تقدم ان "طبخة البحص" وفقاً للظروف الحالية والتوازنات القائمة راهناً، لن تدوم طويلا قبل ان تنفض طاولة الاجتماعات، التي "اجبرت" نيويورك تل ابيب على تخفيض عديد وفدها الى اربعة بسبب ضيق القاعة المخصصة للاجتماع في ظل اعتماد اجراءات التباعد الاجتماعي الخاصة بكورونا.

وبعد قد يجد الباحثون الكثير في مقاطعة تغريدتي النائب جميل السيد حول الترسيم، وتغريدة الصحافي الاسرائيلي ايدي كوهين، فربما يفهم اللبيب من الاشارة.