Beirut
16°
|
Homepage
المَولِد النَبَوي يَردُّ على ماكرون
روني الفا | الاثنين 26 تشرين الأول 2020 - 14:43

"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

"وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا".

يبدأُ العَمَى وقِصرُ البَصَر والبَصيرَة في هذا العالَم. البُكمُ والصَّمَمُ أيضاً. أن تفقِدَ الرؤيَةَ أهوَن مِن أن تفقِدَ الرؤيا. الإيعازُ والتّشجيعُ والتّحفيزُ عَلى نشرِ صور وكاريكاتورات الإساءَة إلى الرّسولِ الأكرَم في فرنسا عَملٌ فاقِدٌ للرؤيا. تَبنّي هذه الصُّوَر كَجِزءٍ متماهٍ مَع قيَمِ الجمهوريَّة الفرنسيَّة هوَ تحويلُ ثلاثيّةِ الجمهوريَّة " حريَّة، أُخوَّة، مساواة " إلى ثلاثيَّةِ قيَمٍ بَكماء فاقِدَةٍ لنِعمَةِ المخاطبَةِ والمُحاوَرَةِ والملاسَنَةِ المبدِعَة لكلّ حِوارٍ بنّاء. أخيراً تَجاهُلُ عالَمٍ إسلاميٍّ بأسرِه يَعدُّ حَوالي مليار وخمسمِئِة مليون نسمَة في كلِّ أقطارِ العالَم هوَ صمُّ الأُذُن عَن غَضبٍ إسلاميٍّ بدأَ نعرَةً في الدّين وسيمتدُّ نعرَةً في السياسَةِ والأمنِ والإقتِصاد. فرنسا ورئيسُها تَحتَ مِجهَرِ آيَةِ " طَه "، فهَل يَكون ورَثَة جان دارك مِن أولي الألباب فيعتَبِرون؟


الإساءَةُ إلى أنبياءِ الله لا تَندَرِجُ ضمنَ حريَّةِ التّعبير. البُعدُ الفلسفَيُّ والحَضاريُ لاعتِناقِ حريَّةِ التّعبير مِدماكاً للديمقراطيَّة والحَداثَة هو أولاً وأخيراً بعدٌ حِواريٌّ تَوفيقيٌّ تَوليفيّ. حريَّةُ التّعبير وُجِدَت لِتَحفيزِ البحثِ عَن الحَقيقَةِ مَع الآخَر. هيَ تفتَرِضُ حُكماً خلافاتٍ عقائديَّةً بينَ المتَحاوِرين وتشتَرِطُ أن تكونَ حريَّةُ التّعبير جزءاً مِن إرادَةِ التّقاربِ والتّفاهُمِ والإلتِقاءِ على القَواسِمِ المشترَكَة. عندَما تتحوّلُ الحريةُ التعبيريَّةُ إلى تَشجيعٍ عَلى الكَراهيَّةِ والتنابذِ تتحوَّلُ أداةَ تَدميرٍ أكثَر فَتكاً من المَدافِعِ وأكثَر تَدميراً من القَنابل النوويَّة. مِن هذا المنظور ما يحدثُ في فرنسا قنبلَةٌ نوويَّة.

في مطلَقِ الأحوال لا يَجوزُ برأيِنا تناوُلَ الإساءَةِ بأدواتٍ عَنيفَة. لا لَفظاً ولا عَملاً ولا تَحريضاً ضدَّ الإساءَةِ والمُسيء. الإساءَةُ تأكلُ مطلِقَها. لا ضَرورَة للردّ على الإساءَة بأخرَى. الإساءَة تفترسُ المُسيءِ حَضاريّاً وثقافيّاً. أيُّ مُبالَغَةٍ من المُساءِ إليه ستخلقُ تَعاطُفاً مَع المُسيء. ستحوِّلُهُ إلى ضحيَّة دينيَّة. إلى قربانٍ وكبشِ محرقَة. الإعراضُ عن ماكرون وإهمالُهُ وتَسخيفُ موقِفِه هوَ أفضَلُ ما يمكِنُ للإسلامِ أن يقدِّمهُ في معرِضِ مواجَهَتِه للأذيَّة. سيؤدي دورَه الحَضاري مرَّةً أخرَى في إثباتِ سماحتِهِ وتسامُحِه وتَساميه. مِن دون ذلك سيسهِمُ المسلِمونَ في إذكاءِ مشاعِر الإسلاموفوبيا وبالتالي في تَعريضِ المسلِمين في العالَم إلى مواجَهاتٍ حضاريَّةٍ وثقافيَّةٍ الغِنى عَنها أمان والإنخراطُ فيها فَوضى بلا طائِل.

ما يحدثُ في فرنسا في ظلّ المَواقِفِ المراهِقَة لرأسِ الدّولَة مقلِق. حوالي عشرة بالمِئَة من المواطِنين الفرنسيين المسلِمين باتوا في مَرمَى الذعر من الإسلام. تَرافَقَ ذلك مَع التصويت على قانونٍ في ظاهِرِه داعِمٌ للإسلامِ المُعَلَمَن وفي باطنِه قامِعٌ للفقه والإجتِهاد. قِيمُ الجمهوريَّة الفرنسيَّة ليسَ بِخَير وإمكانيَّةُ تحوُّلِ المواجَهَةِ العَقائديَّة إلى تَماسٍ على الأرضِ مرتَفِعَة.

بالطّبع همجيَّةُ القاتِلِ قاطِعِ الرّأس لا تُضاهَى. همجيَّةٌ غير مَسبوقَة؟ كلّا. يحضرُني إسم " محمَّد الأمجَد بِن عبد المالِك " الجَزائِري الملقَّب ب " أبو بغلَة ". قُتِلَ هذا المسلِم في العام 1854 عندَما كانَ على رأسِ انتفاضَةٍ في الجَزائِر ضدَّ المحتلّ الفرنسي. ستّة وثلاثون من زملائِه في النّضال قُطِعَت رؤوسُهَم بِخناجِرَ وفؤوسٍ فرنسيَّة. يَومَها كانَت آلَةُ التّصوير في بداياتِها. وُّثِّقَت " الحفلَة " وتمَّ إلتِقاطُ الصور التذكاريَّة. الرؤوس استُقدِمَت إلى فرنسا وعُرِضَت في " متحَف الإنسان " في باريس وهيَ مَعروضَة بالقرب من الكَنيسَة التي أشرفَ فيها ماكرون على جنازَة أستاذ التاريخ المَغدور. أصبَحَت الرؤوس جزء من التراث الأنتروبولوجي لفرنسا. رؤوسٌ موضّبَةٌ في عُلَبٍ كَرتونيَّةٍ ومُتاحَةٌ للجمهور الفرنسي وللسيّاح بأسعارٍ مَدروسَة.

يقول ويل ديورانت كاتِب " قصَّة الحَضارَة " أنه إذا حَكَمنا على العَظَمَة بِما كانَ للعَظيمِ مِن أثَرٍ في الناس لَقُلنا أنَّ محمَّداً كانَ مِن أعظَمِ عظماءِ التاريخ. ليسَ قصيّاً عنه برنارد شو الذي قالَ أنَّ العالَمَ أحوَجَ ما يَكون إلى رَجلٍ في تَفكيرِ محمَّد منقِذ البشريَّة. وإذ نورِدُ اسمَ الرّسولِ الأكرَم على لِسانينِ عظيمَين مِن دونِ ذكر اللقَب المقدَّس للرّسول فاحتراماً للإقتِباس ليسَ إلا. نذكِّرُ أخيراً أنَّ عيدَ جَميع القدّيسين يتزامنُ هذا العام مَع عيد المَولِد النَبَوي الشّريف. ردّةُ فِعلِ الروزنامَةِ على الجنازَة برئاسَةِ ماكرون. صِراعُ الحَضارات تشمئزُّ مِنه الأديانُ ويصرُّ المتديِّنونَ في القشورِ على إشعالِه وإحراقِ ما تبقَّى مِن تَنويرٍ في عالِمنا اليَوم.
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
"الرجل الطيب الودود"... الحريري ينعى زوج عمته 9 كلاب بوليسية وانتشار أمني... ماذا يجري في الضاحية؟ 5 الحقيقة بشأن جريمة باسكال سليمان 1
"سوريا الثورة" تثير البلبلة في البترون! (صور) 10 بعد كشف ملابسات جريمة العزونية... بيانٌ من "التقدمي الإشتراكي"! 6 بو صعب خارج "التيّار" رسميًا! 2
في جونية... سوريّون يسرقون مخزناً للبزورات! 11 وكالة اميركية تتحدث عن تلقيح السحب بِفيضانات الإمارات! 7 الحزن يخيم على عائلة الحريري! 3
نائب يتعرض لوعكة صحية! 12 "ما زلت أحفظ شيئاً من الود"... وهاب "يهدّد" خلف الحبتور! 8 إشكال وجرحى في بلدة لبنانية... ما علاقة "الزوجة الثانية"؟! (فيديو) 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر